الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من منائر الصادقين الامام الاكبر والفقيه الاعظم الاصولي الرجالي المحدث السيد حسين الطباطبائي البروجردي اعلى الله تعالى مقامه، هذا العالم المخضرم كانت له زعامة الطائفة الامامية اكثر من ثلاثين عاماً من عمره المبارك والحافل بالخدمات العلمية والاجتماعية، هو من مواليد مدينة بروجرد عام 1292 هـ وينتهي نسبه المبارك الى السيد محمد بن طباطبا الذي هو من احفاد الامام الحسن المجتبى(ع)، الحديث عن المرحوم السيد البروجردي اعلى مقامه طويل الا انني اكتفي بعرض حالات وملاحظات بسيطة بما يستوعبه الوقت، اتذكر حالة لا تغيب عن ذاكرتي فقد حدثني في النجف الاشرف العالم المحقق الكبير السيد محمد صادق بحر العلوم قبل ثلاثين عاماً حدثني بقصة مثيرة عن السيد البروجردي رحمة الله عليه وهي تدل على تضلعه وسعة علمه والقضية هي اختيار الاحاديث المقلوبة، يعني فوضوية الاحاديث والتلاعب بنصوصها واختلاف المداليل او حذف شيء من الحديث او اضافة واو وازالة واو تبديل القاف بالفاء وهذه مدرسة من مدارس العبث بالتراث والسنة انشأها المضاربون بالدين لمصالحهم بعد وفاة الرسول(ص) وخصوصاً ايام معاوية وبني امية وطبعاً في هذا الباب الف الخطيب البغدادي المتوفي عام 463 هـ كتاباً خاصاً سماه رافع الارتياب في المقلوب من الاسماء والانساب، حتى ابن حجر ايضاً له كتاب في هذا الباب اسمه جلاء القلوب في معرفة المقلوب اجمالاً ان هذا مجال لايزال موجود وهو التقلب في الاحاديث، قصتنا حول السيد البروجردي(رض)، قال لي السيد محمد صادق بحر العلوم رحمه الله بأن اهل الخبرة من العلماء ومن اهل الحل والعقد والثقات المعتمدين في ترشيح المرجع للطائفة عمدوا الى معرفة اهلية المرشح للمرجعية او تحديد من هو الاعلم من بين المجتهدين المتساوين بالرتبة العلمية فأختاروا هذا الاسلوب، عمدوا بأختبار المرجع المؤهل بمعرفة صحة الاحاديث ومتون الاسانيد، يقول السيد محمد صادق بحر العلوم انه بعد وفاة السيد الاصفهاني(رض) عام 1365 هـ كان المؤهل للمرجعية مثل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في النجف، السيد محسن الحكيم، الشيخ محمد رضا آل ياسين وغيرهم تغمدهم الله برحمته، في قم المقدسة ايضاً كان المرجع السيد البروجردي وفي عرض مرجعيته هناك مرجعيات اخرى فعمد ثلة من اهل الخبرة وجمعوا عشرة احاديث خلطوا اسانيدها وركبوا اسانيدها على متن حديث آخر، نقصوا مثلاً من اسناد هذا ردوها على ذلك قدموا اسم الراوي، اخروا اسم راوي آخر، صحفوا الحديث بصحف مضطربة، بعثروا وقلبوا الاحاديث وكانوا يعرضونها بهذا الوضع على المرشحين للمرجعية لاختبار من هو المخضرم والاول بمعرفتها واكتشاف واقصها، يقول السيد صادق بحر العلوم في هذا السياق قدم السؤال الى السيد البروجردي(رض)، ذهبت هيئة من اهل الحل والعقد وكان السيد يومها في قم واذا بالسيد البروجردي انهال بلا توقف يتحدث بأستمرار وفي فترة قياسية وجيزة رد الاسانيد الى اصولها وهؤلاء طبعاً بأيديهم صحف للضبط الاولى، واذا يرد الاسانيد الى اصولها ووضع كل حديث في نصه الصحيح وارجع كل حديث الى مصدره وذكر راويه ووضع النقاط على الحروف ووضع اصبعه على كل مواضع التبديل والتغيير بشكل مذهل وعجيب فأنقطع كل اهل الخبرة بأجماع كامل بأعلميته المطلقة من دون اي تردد او توقف واذعنوا بمرجعيته وهذا دليل حي وعملي ومظهر من مظاهر الاعتزاز بأن فكر الامامية ومنهج الامامية العلمي والاصولي يزخز بالعطاء في ظل الاجتهاد المفتوح على مصراعيه والذي يستقي معارفه من اهل البيت النبوي الطاهر وبهذه الصورة الدقيقة والمضبوطة وبعيدة عن التلاعب وبهذا الاهتمام فالسيد البروجردي اعلى الله مقامه من الجهة العلمية كان بهذا المستوى وقد ذكر لي احد علماء طهران وهو المرحوم آية الله السيد فضل الله الروحاني رحمة الله عليه، كان من تلاميذ السيد البروجردي وزامله طويلاً يقول ان السيد البروجردي حدثه انه كان يكتب في الليل ويضبط الاحاديث فأحياناً يؤتى بعشاءه يضعون امامه عشاءه وبيده القلم وهو يدون الصحائف ويريد ان يتعشى لكن يأمل ان يكمل الصفحة ويتعشى ويبدأ بالصفحة الثانية ويقول فكثيراً ماكان يأذن اذان الفجر وانا لم اتعشى، اما مرجعيته، زعامته الدينية مرت في فترة من اعقد الفترات وهي فترة البهلوي الاب وفترة ولده محمد رضا وكان اولئك الطغاة الاب والابن يهابون هذا المرجع العظيم وهنا ايضاً يحدثني المرحوم فضل الله الروحاني انه كان عند السيد البروجردي وجاءه الشاه الابن وفي الايام الاولى من حكمه ويعد شاب في بواكير حكمه وكان يصحب معه مستشاره الذي كان بدوره مستشاراً لابيه، رجل كبير في السن اسمه شريعتمدار وكان آنذاك السيد الخميني(رض) التلميذ المبرز من تلاميذ السيد البروجردي وكان السيد البروجردي يسعى لالقاء الضوء على السيد الخميني رحمه الله فلما دخل محمدرضا شاه وكان يهاب السيد البروجردي فنهض بعض الطلبة او الكثير منهم احتراماً له، السيد الخميني لم يتحرك فغضب وانزعج هذا الشاه الا بن وكأنه اظهر شكوى للسيد البروجردي وقال بأن آقا روح الله، فرد عليه السيد البروجردي ويقول آية الله السيد روح الله، آية الله هذا ما نقله لي السيد الروحاني وطبعاً لعظمته وهيبة مقامه لم يجرأ الشاه آنذاك بالتحدث عن مشروعه الى ان توفي السيد البروجردي واعلن ثورته وما يسمى بالثورة البيضاء، اما مشاريعه مثل المسجد الاعظم بناه في وقت كلفته ثلاثمئة الف دولار وقد جمعت في مجلس واحد بطهران هكذا كانت اوامره نافذة خسره العالم الاسلامي في 13 شوال 1380هـ يعني 1960 م وكنت بالنجف آنذاك وكان يوم عزاء مشهود للنجف لكل طبقاتها بما فيهم العلماء. وأرخ وفاته الشيخ عبد المنعم الفرطوسي الاديب المشهور بقوله: «ما عرفناك حق معرفتك» والآن قبره يزار ويتبرك الطلبة بجنب قبره اعتقاداً منهم انها تمدهم بالفيض. نسأل الله ان يتغمده برحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******