بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وحبيب إله العالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. مستمعينا مستمعاتنا سلام من الله عليكم ورحمة منه تعالى وبركات.. تحية طيبة لكم أينما كنتم وأنتم تتابعون من خلال إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران برنامجكم القرآني "نهج الحياة" وتفسير ميسر آخر من آي الذكر المبين حيث نواصل في حلقتنا هذه تفسير سورة النجم المباركة..
أيها الأفاضل، بداية نشنف آذاننا بالإستماع الى تلاوة الآيتين الحادية والثلاثين والثانية والثلاثين من سورة النجم المباركة..
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى{31} الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى{32}
أيها الأكارم، تحدثنا في الحلقة السابقة عن بعض الناس الذين يتولون عن ذكر الله ويقبلون على الدنيا بكل كيانهم، والآية الحادية والثلاثين تشير الى أن العاقل الذي يريد الدنيا لا ينبغي له أن يعرض عن الله، فالدنيا وكل ما فيها هي له عزوجل.
أما "الفواحش" جمع فاحشة، وتطلق على كل معصية. أما لكلمة "لَمَم" ذكرت في كتب التفسير واللغة وفي الروايات معان عدة، منها: المعصية التي تصدر عفواً من دون قصد وإصرار. ومنها التي يعزم عليها الإنسان ولكنه لا يفعلها. ومنها التي تلحقها التوبة ويعقبها الندم، ومنها التي لم يتوعد الله عليها بالعذاب والتي لا يترتب عليها الحد.
ومما نتعلمه من هاتين الآيتين الكريمتين أولاً: الجزاء العادل، يتوقف على العلم والقدرة.
ثانياً: ثواب الله أكبر من حسنات الإنسان، وأما العقاب فإنه لا يزيد عن الجرم.
ثالثاً: الأعمال الحسنة تكون حسنة، عندما تقترن بالتقوى واجتناب الكبائر، وإلا فإنها تفقد قيمتها في حالة صدورها عن مرتكب للكبائر بعيد عن التقوى.
رابعاً: أبرز خصائص المحسنين، هي اجتنابهم الكبائر والمعاصي الواضحة القبح.
وخامساً: على الذين يجتنبون المعاصي، الحذر من الفخر وتزكية النفس.
أما الآن، إخوتنا الأفاضل، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات الثالثة والثلاثين حتى السابعة والثلاثين من سورة النجم المباركة..
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى{33} وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى{34} أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى{35} أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى{36} وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى{37}
"أكدى" هي من الكُدية أي البخل وترك الإنفاق، وأصل الكلمة يدل على الأرض الصلبة والوعرة. وروي في سبب نزول الآيات الأولى من هذه الآيات، أنها نزلت في رجل ترك الإنفاق في سبيل الله بعد أن خوّف بالفقر.
وتشير هذه الآيات، أيها الأفاضل، الى أنه ربما يكون سبب الجمع بين اسمي النبيين إبراهيم وموسى عليهما السلام هو إيمان أهل الكتاب بالنبي موسى، وإيمان مشركي مكة بالنبي إبراهيم واحترامهم إياه.
وفي سياق الحديث عن البخل ذكر الله عزوجل أبرز الحالات المعاكسة وهي حالة النبي إبراهيم (ع) الذي لم يبخل بشيء في سبيل الله؛ فقد بذل نفسه للنيران وقلبه للرحمن وولده للقربان وماله للإخوان.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات المباركة أولاً: عندما تريد تقديم القدوة والنموذج أشر إلى ما هو قريب من الفهم وسهل التناول.
ثانياً: في مقام التربية ليس من المهم الإشارة الى أسماء الأشخاص، فالمهم هو العبرة والمضمون.
ثالثاً: من لا يملك إلا القليل يُقبل منه، بل يُمدح على القليل الذي ينفقه.
رابعاً: الإشارة الى إحسان العظماء من وسائل تكريمهم وتخليد أسمائهم.
وخامساً: الوفاء في سبيل الحق من أبرز الكمالات.
والآن، إخوتنا الأكارم، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات الثامنة والثلاثين حتى الحادية والأربعين من سورة النجم المباركة..
أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى{38} وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى{39} وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى{40} ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى{41}
"الوزر" هو الحمل الثقيل، ويطلق على المعصية والذنب لأنهما حملان ثقيلان على عاتق العاصي؛ وربما كان تعبير "وزير" من هذا الأصل لأنه يحمل أثقال الملك، وأعباء المسؤوليات الملقاة على عاتقه.
وتشير الآيات الى أن الله يغفر السيئات بالحسنات، أو بالتوبة والإستغفار، أو يبدل السيئات بالحسنات، ولكنه لا يحمّل أحداً أعباء أخطاء قام بها شخص آخر.
ومما نستقيه من مناهل هذه الآيات الشريفة أولاً: الثواب والعقاب الإلهيان يجريان وفق موازين العدل.
ثانياً: الكون هو ساحة للجهاد وبذل الجهد، والحصول على النتائج.
ثالثاً: الإيمان بترتب الآثار على العمل، ونيل الإنسان ثوابه، مؤاخذته بما عمل، من الدوافع نحو العمل من جهة، ومن العوامل التي تدعوه إلى الإحتياط من جهة أخرى.
رابعاً: على المسحنين أن لا يستعجلوا نتائج أعمالهم.
وخامساً: على الرغم من وجود بعض الجزاء في الدنيا، فإن جزاء الآخرة هو الجزاء الأوفى.
إخوة الإيمان، بهذا قد وصلنا الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم "نهج الحياة" قدمناه لحضراتكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، فحتى الملتقى في الحلقة القادمة نستودعكم الله والسلام خير ختام.