بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله ثم الصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين الطاهرين.. مستمعينا الكرام، نرحب بكم في لقاء جديد لبرنامج (نهج الحياة) وتفسير ميسر آخر من القرآن الكريم حيث نشرع في حلقتنا هذه تفسير سورة النجم المباركة وهي من السور العزائم.
أيها الأفاضل، تتحدث هذه السورة عن الوحي وكيفية نزوله على النبي (ص)، وتشترك مع سورة الإسراء في الإشارة الى معراج النبي (ص) كما تتحدث السورة عن معتقدات المشركين والخرافات التي يؤمنون بها.
بداية أيها الإخوة والأخوات.. ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات الأولى حتى الرابعة من سورة النجم المباركة..
بسم الله الرحمن الرحيم.. وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى{1} مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى{2} وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4}
"الهوى" أيها الأكارم، هو الميل الى السقوط، وتدل كلمة هوى في اللغة العربية، على الميل نحو رغبات النفس، وربما كان ذلك لإنتهائه بالمائل لهواه الى السقوط. ويحتمل في قوله تعالى (والنجم إذا هوى) القسم بالنجم وقت طلوع الشمس حيث يختفي ضوء النجوم مع بداية إشراقة الشمس، أو يراد به يوم القيامة عندما تتساقط النجوم وتهوي.
وتشير الآيات الى توثيق وتأييد الله عزوجل لأنبيائه بقوله (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) والأنبياء بدورهم ينزهون الله سبحانه عن كل عيب ونقص.
وكما يصف الله القرآن بقوله (ذلك الكتاب لا ريب في) يصف نبيه (ص) بقوله (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى) وذلك لكي لا يبقى للناس حجة، وتزول أسباب الشك والتردد كلها.
ومما يمكن أخذه من هذه الآيات الشريفة أولاً: لا مانع من حيث المبدأ من القسم بمظاهر الطبيعة؛ وذلك لأنها من الآيات الدالة على وجود الله تعالى.
ثانياً: التهم التي تواجه الداعي الى الله كثيرة، ولكن الله هو الذي يتولى الدفاع ورد التهم عن الداعين إليه.
ثالثاً: رغم أن الأنبياء يقضوا عمراً بين المنحرفين، ولكن لا يصيبهم من ضلال قومهم وانحرافهم شيء، وهذا من أمارات عظمة الأنبياء وعلو مقامهم.
رابعاً: ما ينطق به النبي (ص) حجة ويجب اتباعه وتنفيذه.
وخامساً: بين الرغبات والأهواء والوحي، تنافر وتباعد.
أما الآن، إخوتنا الأفاضل، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات الخامسة حتى الحادية عشرة من سورة النجم المباركة..
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى{5} ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى{6} وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى{7} ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى{8} فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى{9} فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى{10} مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى{11}
"ذو مرة" أي ذو قوة وشدة، وعن رسول الله (ص): (ولا تحل الصدقة لغني، ولا ذي مرة سوي). "دنا" أي اقترب، و"قاب قوسين" أي ضعفي طول القوس، وهو كناية عن القرب. و"شديد القوى" في المراد منه احتمالان هما جبرائيل أو الله تعالى شأنه. كما ورد في الدعاء عن الإمام الحسين (ع) (يا شديد القوى ويا شديد المحال).
وسئل الإمام السجاد (ع) عن الله جل جلاله هل يوصف بمكان، فقال (تعالى عن ذلك) فقيل له: فلمَ أسرى بنبيه محمد (ص) الى السماء؟ قال (ليريه ملكوت السموات وما فيها من عجائب صنعه، وبدائع خلقه).
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات المباركة أولاً: الدين أمر مهم بحيث يجب أن يكون المعلم هو الله سبحانه الذي يصف نفسه بأنه (شديد القوى) والتلميذ هو نبي منزه عن الضلال والإنحراف.
ثانياً: كل البشر هم تلاميذ بيد الله عزوجل إلا أن لرسول الله مكانة خاصة يفوق بها سائر الناس.
ثالثاً: التقرب الى الله يتم بالتدريج وعلى مراحل.
رابعاً: على الداعي الى الله أن يخاطب الناس بلغتهم ويستخدم مصطلحاتهم في التعبير عن الأفكار التي يريد إيصالها. فالقوس في (قاب قوسين) ومثل هذه الأمور كانت من وحدات قياس المسافة وتقديرها عند العرب.
وخامساً: الشهود الباطني لا يكون حجة إلا بعد أن يحظى بالتأييد الإلهي.
والآن، أيها الأفاضل، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات الثانية عشرة حتى الخامسة عشرة من سورة النجم المباركة..
أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى{12} وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى{13} عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى{14} عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى{15}
"تمارونه" أيها الأحبة، من المرية وهي التردد في الأمر وهو أخص من الشك؛ وفي الحديث أن سدرة المنتهى هي شجرة عن يمين العرش، فوق السماء السابعة، انتهى إليها علم كل ملك. كما ورد في الحديث عن النبي (ص) (رأيت على كل ورقة من أوراقها ملكاً قائماً، يسبح الله تعالى).
ومما نستقيه من هذه الآيات المباركات أولاً: بعض المشاهدات والمكاشفات تحتاج إلى بلوغ درجة الإيمان، فلا يقوى غير أهل الإيمان على مشاهدة ما يشاهده أولياء الله تعالى، بل إن قصور نظر هؤلاء، وتورطهم في أودية الشك، يثير فيهم الجدال تجاه ما يسمعون من الأنبياء.
ثانياً: الجدال والنقاش ربما يكون مقبولاً في الأمور النظرية والفكرية، وأما المحسوسات والمشاهدات فلا مجال للنقاش فيها بقوله تعالى (أفتمارونه على ما يرى)
وثالثاً: ليست الجنة أرقى وأعلى ما خلق الله، بل يوجد ما هو فوقها، وهو سدرة المنتهى، التي عندها جنة خاصة أرقى وأعلى من الجنة المعروفة. رزقنا الله وإياكم جنة المأوى.
أيها الأحبة، ندعوكم في هذه اللحظات للإستماع الى تلاوة الآيات السادسة عشرة حتى الثامنة عشرة من سورة النجم المباركة..
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى{16} مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى{17} لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى{18}
مما تعلمنا هذه الآيات المباركة أولاً: حق اليقين أن لا تنحرف ولا تطغى.
ثانياً: العين المؤهلة لمشاهدة آيات الله الكبرى، هي العين القادة على رؤية الحق ومعرفته.
وثالثاً: آيات الله عزوجل، لا يتاح لأحد معرفتها ومشاهدتها بكل أبعادها حتى رسول الله (ص) حسب قوله تعالى (من ءايات ربه).
إخوة الإيمان، الى هنا نصل وإياكم الى ختام حلقة أخرى من برنامج "نهج الحياة" فحتى الملتقى في الحلقة القادمة نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.