الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من الصادقين الذين وفوا اهل البيت وادوا ما عليهم من حقوق تجاه آل بيت رسول الله هو ابو الحسن علي بن العباس الرومي رحمة الله عليه، علي بن العباس الرومي كنيته ابو الحسن من مواليد شهر رجب المرجب عام 221 هجرية ولد ببغداد وهو عالم وحكيم وزاهد وعرف بأنه اشعر اهل زمانه يعني بالقرن الثالث الهجري او بدايات القرن الثالث الهجري اشتهر آنذاك البحتري ولكن علي بن العباس الرومي اخذ هذه الشهرة وكان ممن جاهد وناضل وساهم مساهمة فعالة في نشر فكر اهل البيت من خلال مقاطع من شعره وكان يحسن الوصف، كان معاصر لجمهرة من علماء الطب والادب والحديث، عاصر الطبري، البخاري ومن الفلاسفة والاطباء مثلاً: عاصر الفارابي وابن سهل الرازي والكندي ومن الادباء مثلاً الجاحظ، بن عبدربه صاحب العقد الفريد، ابن قتيبة صاحب الامامة والسياسة هذا كان زميل لهم وعاصرهم وقد نظم الكثير من الشعر في قصائد يربو بعضها على المئة وخمسين بيتاً وله ايضاً مقاطع متعددة من الشعر وغالباً ما تكون في الحكمة، في العبرة، في النصيحة، مثلاً يقول في الحكمة:
اقول مسلماً للشيب اهل
بهادي المخطئين الى الصواب
يعني الشيب يكون هو الناصح في النهاية.
ألست مبشري في كل يوم
بوشك ترحلي اثر الشباب
لقد بشرتني بلحاق ماض
احب الي من برد الشراب
ثم يقول:
أأفجع بالشباب ولا اعزى
لقد غفل المغزي عن مصاب
فيا اسفاً ويا جزعاً عليه
وحزناً الى يوم الحساب
الشعر هذا مترع بالحكمة، ومن نوادر شعره في الحكمة ايضاً، يقول المؤرخون شاهد علي الرومي يوماً حمالاً وقد ضعف بصره وكبر سنه وهو يحمل بضاعة على ظهره، كان يكتسب لكنه كبير السن وبصره ضعيف ويحمل على ظهره هذا الثقل من اجل ان يكتسب ويوفر القوت لاطفاله ويستغني بذلك عن منة هذا وذاك ويكتفي عن السؤال، شاهده ابن الرومي، نظم هذا المنظر وتأثر به:
رأيت حمالاً حبيس العمى
يعثر في الاكم وفي الوهد
محتملاً ثقلاً على ظهره
تضعف عنه قوة الجلد
وما اشتهى ذاك ولكنه
فرّ من اللئم الى الجهد
فرّ الى الحمل على ضعفه
من كلمات المكثر الوغد
طبعاً ابن الرومي يأخذ في ابياته هذه معنى حديث رسول الله(ص): «لان يأخذ احدكم حبلاً يحتطب به على ظهره خير من ان يأتي عبداً اعطاه الله فيسأله اعطاه ام منعه»، يأخذ هذا المعنى حينما يقول:
وما اشتهى ذاك ولكنه
فر من اللئم الى الجهد
فر الى الحمل على ضعفه
من كلمات المكثر الوغد
شاعرنا ابن الرومي ابتلاه الله بحياته بأشياء نسأل الله ان يجير منها كل مؤمن ولو ان الابتلاء من صفات المؤمن، الله يبتلي المؤمنين بالمحن ويبتلي الفاسقين بالنعم فمن الابتلاءات التي ابتلي بها ضيق المعاش كان من الناحية المادية يعيش ضائقة صعبة وابتلاه الله ايضاً في حياته بنوع آخر من الابتلاء بفقد اولاده الثلاثة، وفقد اخوه الاصغر منه، زوجته فكانت كل هذه فواجع متتالية ومصائب وخطوب تراكمت وتركت تأثيرها البليغ على مسيرة حياته بالاضافة الى ذلك لاحظت من خلال تتبعي لحياته والذي قلت انه من العناصر الوقادة في ملف الصادقين ان هذا الرجل مظلوم على اقلام بعض المتطفلين على التاريخ مثلاً عباس العقاد يصفه بأنه من القدرية، ذهب آخر الى غير ذلك لكن كل هذا افرازات وردود فعل نتيجة تشدد هذا الرجل في ولاء اهل البيت، غالباً ما ولاء اهل البيت له ثمن، قديماً وحديثاً، ماضياً وحاضراً، من يوالي اهل البيت عليه ان يدفع الثمن، الثمن متنوع وربما يأتي من خلال قنوات فأتهموه البعض من الكتاب ولكن لا قيمة لذلك والعاقبة للمتقين وذهب ابن ابي الحديد المعتزلي الى التأكيد الى انه امامي موالي لاهل البيت شديد التشيع في حبهم واكد ذلك السيد محسن الامين(رض) حينما ترجم هذا الرجل في موسوعته الانيقة والرائعة اعيان الشيعة، ذكر اصحاب السير ان علي بن العباس الرومي كان شديد التعلق بوطنه لانه تحمل هموم الفقر، مؤثراً ذلك على الابتعاد عن وطنه لانه غالباً ما الهجرة سبب من اسباب البحث عن الرزق والبحث عن مصادر لتوفير مصاريف العيش فهو آثر ان يبقى في وطنه ويتحمل ضغط الفقر وصعوبة العيش على ان لايبتعد عن بلده لذلك نرى من خلال عطاءه الادبي يعاتب سليمان بن عبد الله بن طاهر الذي باع داره وهاجر من بلده بهدف البحث عن الرزق كان يعاتبه بقطعة شعرية جميلة مثلاً يقول له:
وحبب اوطان الرجال اليهم
مآرب قضاها الشباب هنالك
اذا ذكروا اوطانهم ذكرتهم
عهود الصبا شوقاً فحنو لذلكا
ولي وطن آليت ان لا ابيعه
وان لا ارى غير له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة
كنعمة قوم اصبحوا في ظلالكا
وقرأت لابن الرومي هذين البيتين وهما في الموعظة ومن جميل ما نظم:
لما تؤذن الدنيا به من ذهابها
يكون بكاء الطفل ساعة يولد
والا فما يبكيه منها وانها لافسح
مما كان فيه وارغد
في الواقع هو يسلط الضوء على حقيقة فيها النصيحة الكاملة، ان الطفل اول ما يولد يبكي وطبعاً الطب يعرفون هذا البكاء انه دليل السلامة ولدتك امك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سروراً.
يعني يفرحون بأن هذا من علامات السلامة لكن يقول ويفسره تفسير عرفاني جميل يقول ان الطفل لما يبكي، يبكي حزناً على مجيئه الى هذه الحياة التي هي ماضية وغير باقية والا فما يبكيه منها وانها لافسح مما كان فيه وارغد وانعم وافسح وارغد من الرحم الضيق لكن هو يبكي لانها لاقيمة لها، وقد طبع ديوان شعره عدة مرات ولكن لاحظت بعض التغييرات فيه ومن اجمل ما نظم ابن الرومي في الامام امير المؤمنين وهي من روائع قصائده يقول فيها:
لكن حبي للوصي مخيم في الصدر
في الفؤاد يسرح تولجا
فهو السراج المستنير ومن به
سبب النجاة من العذاب لمن نجى
هذا يكفي ان نفهم حجم تشيعه:
قل لي أأترك مستقيم طريقه جهل
واتبع الطريق الاعوجا
واراه كالتبر المصفى جوهراً
وارى سواه لناقبيه مبهرجا
قال النبي له مقالاً لم يكن يوم
الغدير لسامعيه ممججا
من كنت مولاه فذا مولاً له
مثلي فأصبح بالفخار متوجا
واختتم حديثي ببيتين قالهما ابن الرومي في الامام امير المؤمنين(ع):
تراب ابي تراب كحل عيني
اذا رمدت جلوت به قذاها
تلذ لي الملامة في هواه
لذكراه واستعلي اذاها
توفي عام 283 في بغداد ودفن في مقبرة باب البستان نسأل الله له الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******