الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من اعلام الصادقين شيخنا الاكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمة الله عليه وهو الشيخ جعفر الجناجي، جناجة قرية من قرى الحلة الفيحاء بالعراق يعني توقيعه كان في رسائله الشيخ جعفر الجنيجاوي، هو من مواليد النجف الاشرف عام 1154 هجرية وهو شيخ الطائفة في عصره في عامة البلاد الاسلامية وفي ايران بالذات بالاضافة الى موقعه العلمي له مآثر حميدة واخلاق فاضلة وكثيراً ماقرأنا عنه او حدثنا عنه العلماء والاكابر والخطباء ومن ابرز خدماته التي لا تحصى مواقفه المشرفة والتضحوية في الدفاع عن مدينة النجف الاشرف، يوم تعرض الى غارات الاعداء من اهل البوادي والاعراب وكانت مواقفه صارمة وسياسية حساسة خدم فيها العالم الاسلامي ومن مواقفه السياسية المشهورة خدماته التي اسدى بها الخدمة للمجتمع الاسلامي وساطته بين الترك العثمانيين والقاجارية ايام فتح علي شاه، هذه الحرب بين القاجاريين والعثمانيين حرب قاسية واسر فيها الكثير من العثمانيين ولما كان السلاطين العثمانيون ينظرون بأكبار واجلال الى الشيخ كاشف الغطاء ويعلمون بماله من موقع كبير تشفعوا به الى السلطان فتح علي شاه، الوالي التركي العثماني آنذاك سليمان باشا كان يزور الشيخ جعفر كاشف الغطاء وكان يدرك عظمته وموقعه عند الطائفة الامامية، خدماته الاصلاحية كثيرة ومعروف عن الشيخ كاشف الغطاء انه جدي وحدي مكافحة المنكر واهل الفساد، يذكر المؤرخون انه تفشت العادات والمنكرات في ايران آنذاك خصوصاً في شيراز، اشتهرت مصانع الخمور، فتحرك الشيخ(رض) في سفرة تبلغية وسافر بنفسه وطبعاً قدم له الملوك القاجاريون الخدمات والتسهيلات وسار في كل ارجاء ايران وهو يسحق المنكرات ولا تأخذه في الله لومة لائم وهنا اذكر هذه القصة الطريفة ونعرف من خلالها وننتزع كيف ان الله ينصر من ينصره وكيف ان الله تعالى يقف للعبد حين يخلص العبد بعمله لله، في الواقع القصة من مصاديق قوله تعالى: «ومن يتوكل على الله فهو حسبه»، احد الولاة في هذه السفرة كان مخالف في العمق لعلماء الشيعة، لعلماء الامامية لكن جاءت الاوامر من فوق من السلطان القاجاري من البلاط، جاءت لهذا الوالي للاحتفاء بالشيخ واحترامه واضطر الوالي اظهار الحفاوة بالشيخ جعفر كاشف العظاء فدعاه يوماً الى الغداء في الهواء الطلق ودعا مجموعة كبيرة من الوجهاء من اركان الحكم من رجالات الحكم، خلال تناول الغداء كان الوالي يتحدث للشيخ كاشف العظاء فقال من جملة ما قال بأنكم "علماء الشيعة" تزعمون مسددوا الخطى ومن يتوكل على الله فهو حسبه وانت يا شيخنا الآن تأكل طعاماً مشكوكاً او مشبوهاً قال له الشيخ وكيف؟ قال نعم هذا طعام مغصوب قال كيف؟ الشيخ دون اي اكتراث واهتمام كان يأكل براحة قال كيف تزعم ان هذا طعام مغصوب؟ قال: اننا كنا نفكر كيف نهيأ الطعام لهذه المأدبة فأرسلت انا شرطة قبضوا على غنام معه اغنامه اخذوا اغنامه قسراً وسجنونه وذبحنا هذه الخراف وطبخناها لكم وطبعاً غداءك مغصوبة وهي في السجن، الوالي كان يظن بأن الشيخ جعفر كاشف الغطاء سيكف فوراً عن نتاول الطعام لكن شاهد بالعكس ان الشيخ بكل بساطة وتريث يأكل وبلامبالاة.
قال له الشيخ امام الحضار أأمر الشرطة ان يأتون بهذا الاعرابي لأكسب انا رضاه وارى قصته عن كثب، صاح الوالي بالشرطة جاءوا بالاعرابي فسأله الشيخ جعفر يا اخ العرب هذه اغنامك اخذت منك قال اي والله طبعاً الاعرابي لا يعرفه قال له الشيخ كيف؟ قال كنت اذهب بهذه الاغنام الى احد العلماء الذي وفد الى بلادنا واخذوها مني عنوة وقسرة فقال له الشيخ جعفر واين كنت تذهب بها قال سمعت ان كبير علماء الامامية في النجف الشيخ جعفر كاشف الغطاء قد وصل هنا فكنت اذهب بها هدية اليه وهو زعيم الطائفة وله حق علينا، هنا ابتسم الشيخ جعفر كاشف الغطاء وصاح بالوالي ويحك انت تأكل طعاماً مغصوباً لا انا، التفت الشيخ الى الاعرابي قال يا اخ العرب هديتك وصلت انا الشيخ جعفر كاشف الغطاء ففرح الاعرابي وخجل الوالي خجلاً ذريعاً وطأطأ براسه الى الارض ولم يتكلم بكلمة واطلق سراح الاعرابي واعتذروا اليه وبقي الاعرابي عند الشيخ جعفر يقيل يديه ويسأله الدعاء ويسأله المسائل الشرعية، سبحان الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه مصداق كامل، الانسان اذا اصلح ما بينه وبين الله، الله يصلح ما بينه وبين الناس، الشيخ جعفر كاشف الغطاء تتلمذ على يد اساطين اهل العلم مثل الشيخ محمد مهدي الفتوني العاملي والشيخ محمد تقي الدورقي والسيد صادق الفحام وكلهم في الواقع كان وتدمن الاوتاد كما قدم الشيخ جعفر كاشف الغطاء للطائفة كوكبة من خيرة تلاميذه العلماء الفطاحل كل منهم خدم خدمات للاسلام والمسلمين كالشيخ محسن الاعسم(رض)والسيد صدر الدين العاملي والسيد جواد العاملي صاحب كتاب مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة وامثالهم، للمترجم وهو المرحوم الشيخ جعفر كاشف الغطاء مؤلفات كثيرة وكبيرة ومتعددة ولكن يلمح من بينها كتاب مشهور وهو كتاب كشف الغطاء ويعتبر من المصادر الفقهية الضخمة للمجتهدين وللاجتهاد، الشيخ جعفر كاشف الغطاء لاقى في اسفاره صعوبة ومصاعب كثيرة، طبعاً الاصلاح وعملية التغيير ليس بالعملية السهلة، هيهات ان تلقى الطريق معبداً.
فالدرب للاصلاح غير معبد واجه صعوبة كثيرة وآلام خصوصاً في ايران كونه لا يتكلم الفارسية بطلاقة وكان معه بعض المترجمين وفي ترجمته ترد هذه الملاحظة ان بالخصوص في مدينة خوي واجه جداً مصادمات وآلام وكان يردد دعوته: اللهم اني قد نصحت اهل خوي واعاظمها فلا تؤاخذني بذنوبهم يا ارحم الراحمين، مثلاً سافر الى الحج مرتين وفي كل مرة وطبعاً في ذلك اليوم شخصيته مثيرة ولها موقعها كالشيخ جعفر كاشف الغطاء لا يمر بالقرى والارياف والمدن الا وتخرج الناس عن بكرة ابيها وفيهم من النواصب والاعداء كانوا يؤدوه ويتهموه، نهب كم مرة وكان يصحبه فريق من العلماء فكانت السفرة تشكل مدرسة او نسميها مرحلة جهادية من مراحل حياته، توفي المرحوم الشيخ جعفر كاشف الغطاء(رض) في النجف الاشرف عام 1227 ودفن في النجف الاشرف في مقبرته الخاصة في منطقة العمارة ورثاه احد تلاميذه بقصيده مطلعها:
اتطلب دنيا بعد فقدك جعفرا
وتطمع فيها ان تكون معمرا
الى ان يقول:
سقى الله قبراً ضم اعظم جعفر
واهداه كافراً ومسكاً وعنبرا
نسأل الله له الرفعة والدرجات العالية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******