بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله حمد الشاكرين على نعمائه، سيما نعمة الهدى والإيمان، ثم الصلاة والسلام على رسول الله وحبيبه محمد وعلى آله أئمة الهداة..
مستمعينا الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. تحية مباركة لكم أينما حللتم وأنتم تتابعون عبر أثير إذاعة طهران برنامجكم القرآني هذا "نهج الحياة" حيث سنشرع في حلقتنا هذه بتفسير سورة الطور المباركة فكونوا معنا واصحبونا مشكورين..
سورة الطور، أيها الأفاضل، مكية وعدد آياتها تسع وأربعون آية، وقد سميت بهذا الإسم بالنظر الى أولها، وقد وردت كلمة "الطور" في القرآن عشر مرات، ويقصد الجبل الذي كان ميقات النبي موسى عليه السلام ومحل نزول التوراة عليه.
وتشبه هذه السورة سائر السور المكية من جهة اهتمامها بالموضوعات الإعتقادية، والحديث عن قرب وقوع يوم القيامة، وعن عقاب الكافرين، وثواب المتقين. وتشير الى التوحيد، وفيها حديث عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وصفاته كصبره وثباته.
إخوتنا الأفاضل، أما الآن ندعوكم الى الإستماع الى تلاوة الآيات الأولى حتى الثامنة من سورة الطور المباركة..
وَالطُّورِ{1} وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ{2} فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ{3} وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ{4} وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ{5} وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ{6} إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ{7} مَا لَهُ مِن دَافِعٍ{8}
الطور، في اللغة، أيها الأفاضل، هو الجبل، والمراد به هنا جبل محدد في سيناء كان محلاً لميقات الله لموسى (ع).
وقوله تعالى "كتاب مسطور" يراد به الكتب السماوية كالتوراة والقرآن، إذ كانت تكتب على صفحات منشورة وليس في لفائف، الأمر الذي يشار إليه بقوله تعالى (في رق منشور).
و"الرق" من الرقة، وهو الجلد الذي يعد للكتابة عليه بعد معالجته بالدباغة أو بغيرها، و"منشور" أي مبسوط مقابل الملفوف. و"المسجور" المشتعل المضطرم، وقد استعملت هذه الكلمة للدلالة على الإمتلاء.
والمراد من "البيت المعمور" بيت الله سبحانه وتعالى، المعمور بالزائرين والحجيج، و"البحر المسجور" الموقد يوم القيامة، والسجر تهييج النار.
وتشير هذه الآيات الى أن القسم بالكتاب والرق، في ذلك الزمان، من الأدلة على اهتمام الإسلام بالعلم والمعرفة وأدواتها.
ومما نتعلمه من هذه الآيات الشريفات أولاً: حفظ قداسة الأماكن المقدسة المرتبطة بالأديان السماوية، من الأمور المطلوبة شرعاً.
ثانياً: أي كتاب إلهي ينبغي أن يبقى مفتوحاً دائماً للإستفادة منه في كل وقت.
ثالثاً: دراسة الطبيعة، والتأمل فيها، تمهد للإنسان سبل اليقين بقدرة الله على بعث الناس يوم القيامة.
رابعاً: ينقل القرآن الكريم الإنسان، من المحسوسات والمشاهدات، إلى ما لا يمكن إدراكه بالحواس.
خامساً: يجب أن يكون نزول الكتب السماوية، وتجلي القدرة الإلهية في الوجود، منشأ للإيمان، وإلا فإن العذاب هو الخيار الحتمي.
وسادساً: لا مفر من العذاب الإلهي، عند من يحكم عليه الله سبحانه بذلك.
أما الآن، إخوتنا الأفاضل، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيات التاسعة حتى الرابعة عشرة من سورة الطور المباركة...
يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْراً{9} وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً{10} فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ{11} الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ{12} يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً{13} هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ{14}
(المور) في اللغة، أيها الأحبة، هو الجريان السريع، وهو الدوران غير المنظم، كالحركة الناجمة عن تأثير الرياح في الأشياء الخفيفة. و(الخوض) في الأصل دخول الماء والعبور فيه، وفي الإصطلاح هو الدخول في الباطل. و(الدعّ) هو الطرد بعنف. وقد ورد في القرآن التعبير بالدعّ عن طرد اليتيم ومنع الطعام عنه.
ومما نتعلمه من هذه الآيات المباركة أولاً: تصوير أحداث يوم القيامة، من الأسباب التي تحول بين الإنسان وبين التكذيب والعناد.
ثانياً: ربما يصدر عن الإنسان اللهو واللعب، وقد يغفر له ذلك؛ ولكن المشكلة الكبرى عندما يغرق في اللعب نتيجة الخوض فيه.
ثالثاً: يجمع الله للكفار الذين يكذّبون الأنبياء بين التوبيخ والإهانة وبين العذاب، فهو جمع بين العذاب النفسي والجسدي.
ورابعاً: العقاب المناسب الوحيد للتكذيب في الدنيا هو النار في الآخرة.
إخوة الإيمان، بهذا قد وصلنا الى ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر وتفسير ميسر آخر من آي القرآن الكريم نستودعكم الرحمن الرحيم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.