الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من رموز الصادقين والشهداء في سبيل الله في خط علي وآل علي هو جندي اهل البيت المرحوم المجاهد علي بن عباس البغدادي المشهور بأبن الرومي، ابن الرومي هذا البطل مفخرة من مفاخر الشيعة ورقم من ارقام الامة المهمة وعطاءه طافح بالادب والشعر والتفسير والبلاغة والفقه والكلام.
المرحوم ابن الرومي هو من مواليد بغداد في الثاني من شهر رجب المرجب عام 221 من الهجرة النبوية وهو ممن عاصر الشعراء المشهورين مثل ابن المعتز وابن الجهم ودعبل الخزاعي والبحتري وغيرهم.
وقد نال ابن الرومي اقصى درجات الشرف بشعره المتضمن الحكم والمواعظ والعلوم الاخرى الا ان المعني اللامع في ملف عطاءه هو دفاعه عن مظلومية اهل البيت ونشره فضائل آل الرسول خاصة في ادبياته وبالاخص موقفه موقفاً صلباً جدياً حدياً عن ذوي القربى، ابن الصباغ المالكي يعد هذا الشاعر بأنه من شعراء الامام الحسن العسكري(ع).
ابن الرومي امتحنه الله بأنواع الامتحانات والله طبعاً يمتحن المؤمنين من عباده يقول النبي(ص) لو كان المؤمن على رأس جبل لقيض الله له من يؤذيه ليؤجره على ذلك، امتحنه الله بأمتحانات متنوعة منها مثلاً انه ابتلي بضيق المورد وشحة المال، انه فجع بموت اولاده الذكور الثلاثة وهم صغار، اول من مات منهم هو اوسطهم فكانت هذه صدمة شديدة فجع بها ورثاهم بقصيدة تعتبر من روائع شعره خصوصاً لما ذكر ولده الاوسط الذي كان اول ولد يموت له، مثلاً ابيات من هذه القصيدة قوله:
توخى حمام الموت اوسط صبيتي
فلله كيف انهار واسطة العقد
على حين شنت الخير في وجناته
وآنست من افعاله آية الرشد
ثم يذهب الى ابعد من ذلك في رثاء ولديه الآخرين ووصفهم فيقول:
محمد ما شئ توهم سلوة لقلبي
الا زاد قلبي من الوجد
ارى اخويك الباقيين كليهما
يكونان للاحزان اورى من الزند
فما فيهما لي سلوة بل حزازة
يهيجانها دوني واشقى بها وحدي
نسأل الله ان لا يفجع مؤمناً بفقد ولد، هذا نوع من الامتحانات التي ابتلى بها شاعرنا وعالمنا المترجم ابن الرومي، وقد ذكر المؤرخون لهذا الشهيد المخلد انه ربي خيرة من الشباب على خط اهل البيت هينئاً له وصاغ علماء ومتكلمين ساهموا في نشر ثقافة اهل البيت وايضاً تتخلل قصائده مقاطع من الابيات الجميلة في الحكمة والموعظة مثلاً قرأت له هذين البيتين:
لما تؤذن الدنيا به من ذهابها
يكون الطفل ساعة يولد
والا فما يبكيه منها وانها لأرحب
مما كان فيه وارغد
يقول الطفل لما يولد، يخرج من رحم امه الى هذه الحياة، ينتقل من ضيق الى عالم رحب ومن مكان مظلم الى جو نير فما باله يصرخ سبحان الله ان البكاء عند ولادة الطفل يعتبر لسلامته يقول في هذه الابيات ان هذه النقطة ذات الحكمة الاولى، ان الطفل يولد وهو يستقبل الدنيا بالبكاء لان الدنيا غير خالدة وغير باقية والدنيا دار مصائب ونوائب وآلام وآمال وتدل بعض رسائل ابن الرومي وكراساته التي دونها على انه كان من اهل الحكمة والفلسفة ولا يفوتني هنا ان اكد على ان هذا البطل المخلد عانى الكثير من الحرب النفسية، الحرب المعنوية حيث شكك البعض في تشيعه وربما في تدينه ولكن لدى التنقيب يبدو بأن هذا يرتبط بالمراحل القاسية التي مرت بها حياة شعراءنا وعلماءنا وعظماءنا وائمتنا فربما البعض اتفق له لشخصية من شخصيات اهل البيت او محبيهم يتفق له ان يضطر التخفي مستفيداً من الرخصة الشرعية وهي التقية من اجل انقاذ حياته فالبعض اساء تفسير ذلك وشكك في تشيعه لكن المرحوم العلامة الاميني(رض) دافع عنه دفاعاً وجدانياً وتاريخياً في كتابه الخالد الغدير الجزء الثالث وايضاً ذكر المؤرخون بعض ما عاناه ابن الرومي من اخطار وتهديدات رغم العروض المالية السخية التي كانت تقدمها كيانات الطغاة لشراء ضمائر الشعراء والادباء والكتاب، لكن المرحوم ابن الرومي الذي اترجمه رغم ماعاناه من شعف العيش رفض التعامل مع هؤلاء على حساب مظلومية اهل البيت وكان سعيداً جداً ان يرى نفسه بعيداً من تناول اموال مشبوهة كهذه تنشر في كم افواه الناطقين بالحق فآثر ان يعيش في ذلك الوضع المتقشف ورفض تلك الاموال على حساب حقوق اهل البيت بالعكس كان يزداد ضراوة فكان يهجو الظالمين في عقر ديارهم رغم قوتهم آنذاك مثلاً يخاطب آل العباس، يقال انه كتبها ووزعها كمنشور:
اجنوا بني العباس من شنئانكم
واوكوا على ما في العباب واشرجوا
على حين لاعذراً لمعتذر بكم
ولا لكم بحجة الله مخرج
كان يخاطب به بني العباس، ومن اجمل ما قرأت لهذا الراحل العظيم بيتين قالهما في الامام امير المؤمنين(ع) وهو يذكر الامام علياً بكنيته التي كناه بها رسول الله، الكنية هي ابو تراب وطبعاً واضع الكنية رسول الله، افتقد علياً فمضى يبحث عنه وجد الامام علياً قد افترش الارض وصنع له وسادة من التراب ونام وقد ساق الهواء التراب الى بدنه فأخذ النبي ينفض التراب عن بدن الامام وهو يقول اجلس يا علي فأنما انت ابو تراب وكانت هذه من احب الكنى للامام امير المؤمنين وهنا يأتي ابن الرومي(رض) فيخاطب الامام(ع) يقول:
تراب ابي تراب كحل عيني
اذا مرضت جلوت به قذاها
تطيب لي الملامة في هواه
لذكراه واستحلي قذاها
ومادمت في هذا الاطار اذكر بيتاً للصاحب بن عباد(رض) ايضاً يخاطب الامام امير المؤمنين(ع):
انا وجميع من فوق التراب
نروح فداء نعل ابي تراب
ويقول في مقام آخر:
قد لقبوك ابي تراب
بعد ما باعوا شريعتهم بكف تراب
في الواقع البيتين نعرف من خلالهما قيمة تشيعه وحبه للامام:
تراب ابي تراب كحل عيني
اذا مرضت جلوت به قذاها
تطيب لي الملامة في هواه
لذكراه استحلي قذاها
حياته حافلة بالجهاد والعطاء وآخرها انه توج اعماله وحسناته بأنه استشهد مسموماً فقد ذكر المؤرخون ان المعتمد العباسي اوكل الى وزيره القاسم امر تصفيته فأطعمه طعاماً مسموماً فأستشهد في سبيل الله صابراً وذلك عام 288 من الهجرة ودفن ببغداد وكان مزاره مشهوراً لمدة من الزمن تغمده الله برحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******