أحد أهم التساؤلات في مجال البحث العلمي الخاص بدراسة عوالم النحل أن هذه الكائنات الصغيرة تحوي في أدمغتها فقط على أقل من مليار خلية عصبية، ومن وجهة نظر العلوم العصبية فإن ذلك يعني قدرات متواضعة للغاية في أمور المعالجة العقلية، لكن على الرغم من ذلك فإن النحل مازال قادرا على إبهار العلماء.
ولأجل الدراسة -التي نشرت في الدورية الشهيرة "ساينس"- صنع الباحثون متاهة تشبه حرف Y بالإنجليزية، وحينما تقترب النحلة من مدخل المتاهة تلتقي بلوحة مرسوم عليها عدد من المربعات، بجانبها دائرة ملونة بالأصفر أو الأزرق. اللون الأزرق يطلب من النحلة أن "تجمع" 1 على الأشكال الموجودة، أما الأصفر فيطلب أن "تطرح" 1 من العدد الموجود على اللوحة.
وللتوضيح، إذا احتوت اللوحة على ثلاثة مربعات وبجانبها دائرة زرقاء، يعني ذلك أنه على النحلة -بعد أن تدخل إلى المتاهة- أن تختار لوحة عليها أربعة مربعات (3+1). أما إذا كانت الدائرة صفراء فإن عليها أن تختار لوحة رسم عليها مربعان (3-1).
حينما تدخل النحلة إلى المتاهة فإن عليها أن تختار بين حجرتين إحداهما تحوي الإجابة الصحيحة. وحينما تختار الإجابة الصحيحة فإن فريق العمل يكافئها بماء محلّى، وحينما تكون خاطئة تُعاقب بسائل مر.
وبحسب الدراسة الجديدة، فإن تلك النحلات العاملة تعلّمت الدرس سريعًا وبدأت بالفعل في الاستجابة لمتطلبات المتاهة للحصول على الجوائز، وهنا قام الفريق البحثي بتنويع عدد الأشكال، وطبيعة الأشكال نفسها (مربع أو مثلث أو دائرة.. إلخ) وكانت النحلات قادرة على إجراء العملية الحسابية كل مرة بعد التعلّم.
وعلى بساطة الأمر، فإن ذلك يعني أن هذه النحلات كانت قادرة على فهم رياضيات ذات مستويات متعددة، فهي أولا كانت قادرة على تعلّم العدد، ثم وضعه في الذاكرة، ثم -في مستوى جديد- إجراء عملية جمع أو طرح، وهو ما دعا للتعجب.
في الحقيقة، فإنها ليست المرة الأولى التي تُختبر فيها قدرات النحل على أداء عمليات رياضياتية مجردة. على سبيل المثال، تمكن فريق بحثي، من نفس الجامعة، قبل عدة أشهر، من إثبات قدرة النحل على إدراك أحد أعقد المفاهيم الرياضياتية المجردة، وهو "الصفر".
وتشبه التجربة سابقتها في الآلية، لكن بدلا من وضع لوحات بأعداد الأشكال، توضع إحدى اللوحات فارغة تماما، وعلى النحل اختيار أقل عدد من الأشكال للحصول على المكافآت. هنا كانت النحلات الطنانة قادرة بالفعل على إدراك أن لوحة فارغة تعني "لا شيء" أي "صفر" وهو أقل عدد ممكن من الأشكال.
بالنسبة لنا كبشر، فإن الأمر قد يبدو سهلا، لكننا كائنات ذات عقول معقدة بها نحو مئة مليار خلية عصبية، وحتّى مع كل تلك القدرات لم نتمكن من ابتكار الصفر إلا حديثا في تاريخنا حينما تمكن محمد بن موسى الخوارزمي في القرن التاسع من ابتكار هذا المفهوم المجرد.