بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله حمد الشاكرين ثم الصلاة السلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. حضرات المستمعين الأكارم سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. تحية لكم وأهلاً بكم أينما كنتم وأنتم تستمعون الى هذه الحلقة من حلقات برنامج "نهج الحياة" وتفسير موجز آخر لآيات الذكر الحكيم حيث سنكمل فيها تفسير آيات سورة قاف المباركة فكونوا معنا..
إخوتنا الأفاضل، ندعوكم الآن، الى الإستماع الى تلاوة الآيات الثامنة والثلاثين حتى الأربعين من سورة قاف المباركة..
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ{38} فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ{39} وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ{40}
معنى "اللغوب" هنا، أيها الأفاضل، هو التعب والنصب، يقال أتانا ساغباً لاغباً أي جائعاً تعباً؛ وهذا محتمل من ذوي القدرة المحدودة كالبشر وغيرهم، وأما عند الله تعالى، فلا معنى له ولا محل.
كما تشير الآية التاسعة والثلاثون الى تسبيح الله عند الشدائد.
ومما نتعلمه من هذه الآيات الشريفات أولاً: لا ينبغي أن ننظر الى السماء نظرة سطحية، فهي محل لتجلي القدرة الإلهية، وهي غاية في السعة وهي تتألف من طبقات.
ثانياً: الإلتفات الى قدرة الله من العوامل المساعدة على الصبر والثبات، في مقابل الأمور المزعجة.
ثالثاً: يتابع الأنبياء مسيرتهم في هداية الناس تحت عين العناية والتوجيه الإلهي.
رابعاً: ذكر الله من العوامل المساعدة على الصبر.
وخامساً: يتوقف التكامل الإنساني على تكرار العبادة ودوامها.
أيها الكرام، أما الآن، ننصت وإياكم خاشعين الى الآيتين الحادية والأربعين والثانية والأربعين من سورة قاف المباركة..
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ{41} يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ{42}
إخوتنا الأطائب، يحدثنا القرآن، في الآية الحادية عشرة من سورة قاف عن خروج الموتى من قبورهم، وهنا في الآية الثانية والأربعين يخبرنا عن زمن هذا الخروج.
ويستفاد من قوله تعالى "من مكان بعيد" أن هذا النداء يملأ الأرجاء حتى يشعر كل امرئ أنه يسمع النداء من مكان قريب، وكأنه يهتف به وحده دون غيره من الناس.
والمراد من الصيحة في الآية الثانية والأربعين هي الصيحة الثانية التي تؤدي الى بعث الناس من قبورهم وعودتهم الى الحياة، وليست الأولى التي تميت الأحياء.
وما نستلهمه من هاتين الآيتين الكريمتين أولاً: ذكر يوم القيامة، والعقاب الذي سوف يناله الكفار المؤذون للنبي (ص) من الأمور التي تبعث العزاء في النفوس.
ثانياً: صيحة إسرافيل يوم القيامة، من الأمور الحتمية التي لا مفر منها.
ثالثاً: المعاد سيكون جسماني، والإنسان يقوم بجسده من التراب يوم القيامة، وسوف يأتي في الآيات اللاحقة قوله تعالى (تشقق الأرض عنهم).
أما الآن، إخوتنا الأفاضل، نشنف آذاننا بالإستماع الى تلاوة الآيات الثالثة والأربعين حتى الخامسة والأربعين وهي الأخيرة، من سورة قاف المباركة..
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ{43} يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ{44} نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ{45}
كلمة "جبار" أيها الإخوة والأخوات، لها معنيان، أحدهما من الجبر في مقابل الكسر وهو صفة من الصفات الجمالية لله تعالى، كما في قوله تعالى (العزيز الجبار المتكبر) وتستعمل صفة سلبية بمعنى الجبر والإكراه على شيء، كما في قوله عز من قائل (وما أنت عليهم بجبار).
وكما نلاحظ، أيها الأكارم، فإن هذه السورة تفتح بالقسم بالقرآن، وتختم بالإشارة الى القرآن والدعوة الى الإهتمام به.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات المباركة أولاً: الإلتفات الى ان المصير والعاقبة الى الله من الأسباب المساعدة على الصبر والثبات.
ثانياً: المهمة الملقاة على عاتق الأنبياء هي تبليغ الدين وليس إجبار الناس عنه.
ثالثاً: ينبغي أن يكون القرآن هو محور العمل التبليغي والدعوي.
رابعاً: لا يقبل الموعظة إلا من يؤمن بالقيامة ويخاف وعيد الله.
خامساً: حقائق الدين مغروزة في أعماق الإنسان وتمثل جزءاً من فطرته وطبيعته، ولا يحتاج سوى الى التذكير.
وسادساً: من لا يؤمن بالقيامة، ولا يخشى وعيد الله، لا تنفع معه موعظة ولا نصيحة.
إخوة الإيمان، ومع ختام تفسير آخر آيات سورة قاف المباركة نأتي الى ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر وتفسير موجز لآي الذكر الحكيم نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.