الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من الذين يستحقون صفة الصادقين مضموناً ومصداقية هو شاعر اهل البيت، الناشئ الصغير، فمن هو الناشئ الصغير ولماذا سمي بالصغير؟
في الواقع انما سمي بالناشئ الصغير لان هناك مقابل هذه الشخصية شاعر اخر ايضاً اشتهر بالناشئ الكبير وهو ابو العباس الانباري لا حجة لنا بالحديث عنه الان، الناشئ الصغير هو عالم من علماء شيعة اهل البيت ومن شعراء اهل البيت وافنى حياته في محبتهم والدفاع عنهم بالخصوص فيما نظم في الامام امير المؤمنين(ع) ويا لها من درجة رفيعة وما احسنه من وشاح، باعتبار ان قضية اميرالمؤنين او مظلوميت هي في الواقع مظلوميت الاسلام والحق ومظلوميت الوجدان، فأصبح الحديث عن امير المؤمنين ونظم الشعر والكلمة كلاً في حق الامام علي بن ابي طالب دفاع عن قضية الاسلام كلها.
الناشئ الصغير كنيته ابو الحسن واسمه علي بن عبد الله البغدادي وولد ببغداد عام 271 للهجرة ووصفه المترجمون بأنه شاعر بارع وعالم مشهور ومعروف ومصنف قدير بالاضافة الى شعره وجهاده في الاصعدة المتعددة في عالم القلم، الف كتاباً في اهل البيت ولم يدرج المؤرخون اسماءها لكن ذكروا بأن اعظم كتاب له كان بحثاً مهماً في موضوع الامامة، وله الكثير من الشعر للائمة حتى ذكر المحدث القمي(رض) بأن شعره لا يحصى لكثرته حتى عرف بشعره بالاضافة الى ذلك هو ايضاً من علماء الكلام، اشتهر ايضاً بعلم الكلام وكان قد اخذ هذا العلم عن ابي سهل اسماعيل بن علي النوبختي.
الناشئ الصغير قال المؤرخون بأنه ولد من ابويين عاديين والطريف في الامر ان اباه كان بقالاً وجده كان عبداً مملوكاً واعتقد يعني عائلة بسيطة من حيث المستوى الاجتماعي لكنه كان يتمتع بمواهب خارقة منذ طفولته وكان يسمى في شبابه بالحلاء وهذا مشتق من شغله وعمله انه كان يصنع الحلي من النحاس، لكن بفضل استعداده وذكاءه انصرف الى بعض علماء الكوفة وادباءها وكان يختلف اليهم ويتردد على مجالسهم ويستقيد من احاديثهم وخصوصاً الندوات التي كانت انذاك مثل المطارحات الشعرية، المطاردات الشعرية، التسابق في القطع الشعرية حتى روى المؤرخون ان المتنبي تردد عليه واختلف الى مجلسه وكتب بخطه الكثير من شعر الناشئ الصغير، المتنبي الذي هو عالم من علماء الادب كتب الكثير من شعره، حتى لاحظت هذه اللقطة في سيرة حياته ان المتنبي مر ذات يوم وسمعه وهو يقول من شعره:
كأن سنان ذابله ضمير
فليس عن القلوب له ذهاب
وصارمه كبيعته بخم
مقاصدها من الخلق الرقاب
ويشير الى اليوم التاريخي، يوم الغدير، الذي يعتبر من ابرز ايام تاريخ الاسلام ومن المع حياة رسول الله(ص)، الذي اشار اليه امامنا الباقر(ع) حينما اكمل ابيات الكميت:
فلم ار مثل ذاك اليوم يوماً
ولم ار مثله حقاً اضيعا
على اي حال يوم صارخ ويوم ناطق.
يقول الناشئ الصغير:
وصارمه كبيعته بخم
مقاصدها من الخلق الرقاب
نسمعه المتنبي واخذ ينظم معلقاً على ذلك، فقال المتنبي:
كأن الهام في الهيجا عيون
وقد طبعت سيوفك في رقاد
وقد صغت الاسنة من هموم
فما يخطرن الا في فؤادي
ومن المحزن ان اذكر هذه اللفتنة بأن شعره غيبته الايدي الاثيمة الايدي التي ابت ان تبقي شيئاً من تراث شيعة اهل البيت ولا نعرف من الذي عمل على تدميره يبدو ان ايدي متعدد ودواعي عديدة اتلف شعره واثاره ولم يتبقى الا القليل الذي اشار اليه المؤرخون هنا وهناك، ومن شعره في الامام امير المؤمنين(ع) هذه المقطوعة الجميلة يقول يخاطب الامام علي(ع):
ابا حسن سيدي انت انت
صراط المهيمن لو انصفوكا
وانت جعلت قريشاً عبيد
ولو لا حسامك كانوا ملوكا
وانت المقدم في النائبات
فعند الخلافة لم اخروكا
ولو امنوا ببني الهدى وبالله
ذي الطول ما خالفوكا
ولو ايقنوا بمعاد لما ازالوا
النصوص ولا ما نعوكا
ولكنهم كتموا الشك في اخيك
النبي وابدوه فيكا
ولكنهم اخروا حظهم ولو قدموا
حظهم قدموكا
في الواقع هذا جهاد من اروع الجهاد، انه يقول وهذه ملاحظه صارخة يقول:
ولو ايقنوا بمعاد لما ازالوا
النصوص ولا ما نعوكا
الحرب الضروس التي اشعلت في وجه امير المؤمنين(ع) وفي النتيجة هي حرب على الله والرسول لكنهم ما استطاعوا ان يضعفوا اسم النبي في مواجهة باعتبار ان هذا يكشف ماهيتهم، ويكشف حقيقتهم لذلك لما نلاحظ بعض الهفوات او بعض المؤشرات من كلمات معاوية او غيره، نرى ان المستهدف الاول في حرب الامام امير المؤمنين هو الله وبعده الرسول، الهدف تدمير جوهر الاسلام لان جوهر الاسلام وحقيقة الاسلام وقيم الاسلام لا تفهم فهماً صحيحاً الا من خلال علي واهل بيت علي، هؤلاء ملئت اذانهم بكلمات رسول الله(ص) "من سب علياً فقد سبني ومن سبني فقد سب الله" "يا علي حربك حربي وسلمك سلمي" "يا علي من احبك ختم الله له بالامن والايمان ومن ابغضك فلا نصيب له من الاسلام" اذن كل هذا يفهمنا بدقة وبحقيقة واضحة ان المستهدف الاول في تلك الحرب الطاحنة والقاسية التي واجهوا بها الامام علي(ع) كانت في النتيجة حرب على الله، رحم الله هذا الشاعر، الناشئ الصغير لما يقول:
ولو امنوا بنبي الهدى
وبالله ذي الطول ما خالفوكا
ولو ايقنوا بمعاد لما ازالوا
النصوص ولا ما نعوكا
ولكنهم اخروا حظهم ولو
قدموا حظهم قدموكا
ما استطاعوا ان يواجهوا الرسول وجهاً لو جه فعملوا على تحطيم شرع الله وحرب الرسول وحرب الاسلام بشخص الامام علي بن ابي طالب.
الناشئ الصغير كان يلاحظ بانه مستهدف وتراثه مستهدف لذلك قال المؤرخون بأنه كان كلما سافر يحمل معه حملاً كبيراً يبدو انه كان يعلم ان هذا التراث يطارد به وهذا التراث ضالة اعداء اهل البيت وضالة اعداء الاسلام الى ان امر ولده بالاحتفاظ به ولا نعلم كيف تبدد وكيف دمر ولعله من الخوف سعت بعض الا يدي الى اخفاءه تقية او معالجة للفرع.
توفي الناشئ الصغير في بغداد عام 366 ودفن هناك نسأل الله ان ينور ضريحه ببركة ما اسداه من خدمات لاهل البيت. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******