بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أحبتنا المستمعين سلام عليكم ورحمة من الله تعالى وبركات.. تحية لكم وأهلاً بكم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" وتفسير ميسر آخر من آي الذكر الحكيم حيث سنواصل حديثنا في حلقتنا هذه بإذن الله تفسير سورة الحجرات المباركة فكونوا معنا مشكورن..
--فاصل—
إخوة الإيمان، نبدأ لقاءنا هذا بالإستماع الى تلاوة مرتلة للآية العاشرة من سورة الحجرات المباركة..
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{10}
أيها الأحبة، تؤكد هذه الآية أن العلاقة بين المؤمنين علاقة أخوة، ويتضمن هذا التعبير معاني عدة، منها: المودة بين الأخوين متينة وعميقة ودائمة وهي عادة تكون من الطرفين وليست من طرف واحد؛ كما أنها مبنية على الفطرة وهي من مقتضيات الطبيعة الإنسانية، وليست مبنية على المصالح والمنافع الدنيوية.
ومما نتعلمه من هذه الآية الكريمة، أيها الأحبة، أولاً: علاقة الأخوة مرهونة بالإيمان، ولا تتوقف في الإيمان على شروط كالعمر والعلم والمستوى الإقتصادي وغيره.
ثانياً: لا ينبغي للمؤمن أن يرى نفسه أكبر من غيره من المؤمنين.
ثالثاً: الأمر بالإصلاح وتصفية العلاقات الإجتماعية، موجه الى جميع الناس وليس الى فئة خاصة منهم.
رابعاً: الصلح والإصلاح، مقدمة وعامل مساعد على نزول الرحمة الإلهية.
وخامساً: المجتمع الخالي من الصلح، والمبتلى بالنزاعات التي لا يوجد لها من يحلها، مجتمع محروم من الرحمة الإلهية.
--فاصل—
ندعوكم الآن، أيها الأفاضل، للإستماع الى تلاوة الآية الحادية عشرة من سورة الحجرات المباركة..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{11}
التنابز، عزيزي المستمع، هو التداعي بالألقاب، وهو يكثر في ما كان ذماً. وتعرضت الآية السابقة للأخوة بين المؤمنين، وتلقي هذه الآية الضوء على الأمور التي تخرب رابطة الأخوة بينهم. وكما أن الآيات السابقة تحدثت عن الصلح والإصلاح، فهذه الآية تتحدث عن الأسباب التي تؤدي الى إثارة الفتنة كالسخرية والتنابز بالألقاب. وعلى أي حال إن من أهم آثار العمل بتعاليم الإسلام، سيادة الهدوء والإستقرار على العلاقات الإجتماعية.
وربما يمكن القول إن السخرية والتنابز ذكرا من باب المثال، وإلا فإن كل ما من شأنه نقض علاقة الأخوة بين المؤمنين ممنوع ومنهي عنه.
لعل (المرأة) عموماً تندرج تحت كلمة "قوم" ولكن ربما كان ذكر النساء، في هذه الآية، بشكل مستقل مؤشراً الى خطورة الأفعال هذه بين النساء.
ومن تعاليم هذه الآية المباركة أولاً: لا ينسجم الإيمان مع السخرية من عباد الله عزوجل.
ثانياً: السخرية مفتاح الفتنة وأحد منابع الأحقاد.
ثالثاً: لا ينبغي أن نحكم على الناس من خلال مظاهرهم، ومن خلال حالتهم الراهنة، فربما كان الظاهر مختلفاً عن الباطن.
ورابعاً: كشف عيوب الآخرين، يساعد على كشف عيوب الإنسان نفسه، بقوله تعالى (ولا تلمزوا أنفسكم).
---فاصل---
أما الآن، حضرات المستمعين، ندعوكم للإستماع الى تلاوة مرتلة من الآية الثانية عشرة من سورة الحجرات ومن ثم نشرع ببيانها فابقوا معنا..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ{12}
تتابع هذه الآية، أيها الكرام، ما بدأت الآية السابقة باستعراضها، من الأمور التي تؤدي الى نقض حالة الأخوة بين المؤمنين، والأمور التي تعدها الآية في هذا السياق، هي سوء الظن والجسس والغيبة.
ويبدو أن الغيبة من أقبح المعاصي، ولذلك شبهها القرآن العظيم بأقبح صورة عندما شبهها بأكل الإنسان لحم أخيه وهو ميت. فالحيوانات كما يقال تتجنب أكل لحم أبناء جنسها وتعتدي فقط على سائر الحيوانات.
وما تعلمه إيانا هذه الآية المباركة، أولاً: الإيمان هو التزام عملي، أي الإلتزام بمجموعة من قواعد السلوك التي هو من لوازم الإيمان التي لا ينبغي أن تنفك عنه.
ثانياً: القاعدة الأساس في المجتمع المؤمن، هي كرامة الإنسان والحكم ببراءته.
ثالثاً: من الطرق المناسبة والمؤثرة في الدعوة والتبليغ، الإستفادة من التشبيه وضرب الأمثلة.
رابعاً: لا يسد الإسلام الطريق على الإنسان، بل هو يفتح باب العودة والرجوع الى الله سبحانه بالتوبة.
وخامساً: قبول الله العذر والتوبة، من تجليات رحمته وعطفه.
--فاصل—
إخوتنا الأفاضل، بهذا وصلنا وإياكم الى ختام حلقة أخرى من برنامج "نهج الحياة" فحتى الملتقى في حلقة جديدة دمتم سالمين وفي أمان الله.