بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وله الحمد إذ هدانا للإيمان ثم الصلاة والسلام على الهادي البشير سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أحبة الخير سلام من الله عليكم وأهلاً بكم حيث نقدم لحضراتكم حلقة جديدة من برنامجكم "نهج الحياة" التي سنشرع فيها بيان وتفسير سورة الحجرات المباركة فتابعونا مشكورين..
--فاصل—
أيها الأكارم.. سميت سورة الحجرات بهذا الإسم للإشارة الى الحجرات في الآية الرابعة عشرة ومناداة النبي (ص)، من ورائها وهي جمع "حجرة".
ومن الأسماء التي تطلق على هذه السورة إسم سورة "الآداب" وقد تعرضت لمجموعة من الموضوعات الأخلاقية والإجتماعية المهمة.
أما الآن، إخوتنا الأفاضل، نستمع وإياكم الى تلاوة مرتلة للآية الأولى من سورة الحجرات المباركة...
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{1}
تريد هذه الآية، أيها الكرام، أن تربي المؤمنين على أدب الملائكة، كما يصفهم الله بقوله في الآية السابعة والعشرين من سورة المائدة حيث يقول تعالى "لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون" ولا تحدد هذه الآية الموادر التي لا يجوز التقدم فيها على الله ورسوله، وهذا يعني الإطلاق، وعدم جواز التقدم في شيء، سواء في ذلك قضايا الحرب والسلم، والإقتصاد والمجتمع، بل والقضايا الفردية التي قد تبدو من الخصوصيات.
كما ينهى الله في هذه الآية عن التقدم على الله ورسوله؛ لأن التقدم يؤدي الى ظهور الخلل في المجتمع الإسلامي، وبالتالي يؤدي تجاوز الحدود التي وضعها الله، والحدود التي أخبر عنها النبي (ص).
والعمل بهذه الآية يحول دون الوقوع في الكثير من الأخطاء والمشاكل، وذلك لأن التقدم والمسارعة الى بعض الأعمال قد يكون في كثير من الحالات مستنداً الى الرغبة والعجلة، أو مبنيّاً على الظن والحدس؛ وبالتالي يقدم الإنسان على بعض ما يندم عليه لاحقاً.
وفي بعض الأحيان يكون التقدم مزايدة على الله ورسوله، كالإنصراف الى العبادة وترك الدنيا لأهلها، الأمر الذي لم يفعله النبي (ص) ولم يدع إليه.
كما تشير الآية المباركة الى أن العمل بالتقاليد والآداب التي ليس لها أصل في كتاب الله أو في سنة رسوله، هو تقدم على الله ورسوله.
---فاصل---
أما الآن، مستمعينا الأفاضل، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيتين الثانية والثالثة من سورة الحجرات المباركة...
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{2} إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ{3}
أيها الأكارم، نهت الآية الأولى عن التقدم على رسول الله والمزايدة عليه، والآية الثانية تنهى عن رفع الصوت بين يديه كما يجهر بعض الناس لبعضهم الآخر؛ للحيلولة دون إبطال أعمالهم الصالحة.
أما "الغض" فهو النقصان من الطرف والصوت، أي خفض الصوت وعدم التحديق وإمعان النظر.
ويخبرنا الله تعالى في الآية الثالثة، أيها الأطائب، عن امتحان قلوب الناس بهذه التكاليف، وذلك أن بعض الناس قد يبالغ في إظهار الأدب والإحترام وهو أبعد ما يكون عنه، فليس المطلوب هو غض الصوت في الظاهر فحسب، بل يجب أن يكون ذلك نابعاً من الإحترام القبلي.
--فاصل—
أما الآن، إخوتنا المستمعين الكرام، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيتين الرابعة والخامسة من سورة الحجرات المباركة..
إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ{4} وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{5}
أيها الأفاضل، يهتم الإسلام بالآداب الإجتماعية، ومن هنا، خصص الله سورة للحديث عن الآداب، وهي هذه السورة التي تعرف بسورة "الآداب" كما أشرنا إليه في مطلع هذه الحلقة.
وعلى الرغم من أن النبي (ص) لم يعد بيننا، فإن الدرس الذي تحتويه درس خالد صالح لكل مكان وزمان.
ومما نتعلمه من هاتين الآيتين الكريمتين أولاً: قلة الأدب تكشف عادة عن قلة العقل.
ثانياً: يستحق الذين يسيؤون الأدب مع القادة الإلهيين كالأنبياء، التوبيخ والتأنيب.
ثالثاً: للبيوت والأسر حرمتها، فلا ينبغي إزعاج الناس في بيوتهم حتى بمناداتهم من خارج البيوت.
رابعاً: ينبغي التمييز بين من يرفعون أصواتهم بمقتضى العادة والطبع، وبين من يرفعون أصواتهم كمؤشر على قلة الأدب.
خامساً: علينا أن نحترم برامج الناس وطريقة إدارتهم لأوقاتهم، فالنبي بحاجة الى الراحة، فلا يجوز إزعاجه في أي وقت.
وسادساً: المسؤوليات الإجتماعية لا ينبغي أن تشغل الإنسان عن إعطاء بعض الوقت لأسرته.
--فاصل—
بهذا، إخوة الإيمان، وصلنا الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر تقبلوا تحياتنا ونسألكم الدعاء.