البث المباشر

تفسير موجز للآيات 22 الى 25 من سورة الفتح

الأربعاء 3 يوليو 2024 - 16:28 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 954

نهج الحياة – 954

بسم الله الرحمن الرحيم.. والحمد لله حمد الشاكرين على نعمائه وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أحباءنا المستمعين سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وأهلاً بكم ومرحباً وأنتم تتابعون برنامجكم القرآني "نهج الحياة" وتفسير موجز آخر من آي الذكر الحكيم.

--فاصل--

في هذه الحلقة من البرنامج، أيها الأفاضل، سنواصل تفسير سورة الفتح المباركة، بداية من الآيتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين بعد السماع لتلاوتها فتابعونا..

وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً{22} سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً{23}

تشير الآية الثانية والعشرون، أيها الأحبة، الى أن في يوم القيامة سيتضح أن الكافر ليس له ولي ولا نصير حتى لو كان هو القوي بحسب الظاهر في الدنيا، والمؤمن على العكس تماماً يستند الى ولاية الله ونصرته وهو حسبه، حتى لو بدا في الدنيا ضعيفاً قليل الحيلة.

وهذا ما يشير إليه الإمام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة بقوله (ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك).

وتشير الآية الثالثة والعشرون الى أن التاريخ وما فيه من أحداث لا يسير بشكل عشوائي، وإنما هو خاضع للقوانين والسنن الإلهية. ومن السنن الإلهية انتصار الحق على الباطل ولو بعد حين.

ومما تعلمه إيانا هاتان الآيتان الشريفتان، أيها الأكارم، أولاً: من لم يكن الله ناصره فلا ناصر له.

ثانياً: الأحداث التاريخية لا تقع صدفة، بل تسير وفق قانون وخطة ونظام.

ثالثاً: قوانين الإنسان تابعة لتجاربه وأخطائه، وأما السنن الإلهية فهي فوق الزمان والمكان، ولذلك فهي ثابتة لا تتغير ولا تتبدل.

ورابعاً: لا تفقد السنن الإلهية فعاليتها بمرور الزمان بقوله تعالى (ولن تجد لسنة الله تبديلا).

--فاصل—

أما الآن، إخوتنا الأطائب، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآية الرابعة والعشرين من سورة الفتح المباركة..

وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً{24}

أيها الأحبة، تشير الآية الى كف الله أيدي المشركين عن المسلمين، والى كف أيدي المسلمين عن المشركين أيضاً. وهذا الكف من الطرفين كان نعمة إلهية؛ لسببين، أحدهما أن الله حفظ قداسة الكعبة والمسجد الحرام ولم يسمح بإراقة الدم فيهما.

والأمر الثاني هو نعمة الأمن لعشر سنوات فازداد عدد المسلمين واستطاعوا بعد سنتين أن يدخلوا مكة فاتحين. وهذا من نتائج الصلح وبركاته. ولو وقعت الحرب لكثر القتل بين المسلمين والمشركين، وأريقت الدماء في الحرم، ولترتب على ذلك كله، آثار لا يعلمها الا الله. وربما لهذه الأسباب جميعاً عدّ الله (صلح الحديبية) (فتحاً).

ومن التعاليم التي يمكن أخذها من الآية الكريمة أولاً: من السنن الإلهية الحتمية التي لا تتغير ولا تتبدل، لطف الله بالمؤمنين.

ثانياً: النصر والتقدم وكل ما يصيبه الإنسان من خير هو بتدبير وإرادة إلهيين.

ثالثاً: الأمن من أذى العدو، وخاصة عندما يكون الإنسان بين يديه وفي أرضه، من النعم الإلهية الكبرى على الإنسان.

رابعاً: الصلح في بعض الحالات قد يكون من مؤشرات النصر والظفر وعلاماته.

---فاصل---

والآن، إخوتنا الأكارم، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة مرتلة من الآية الخامسة والعشرين من سورة الفتح قبل تفسيرها فابقوا مشكورين..

هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً{25}

كلمة "معكوفاً" هنا، أيها الأفاضل، بمعنى محبوساً وممنوعاً. والهدي المعكوف أي المحبوس والموقوف للذبح ضمن مراسم الحج ومناسكه. والشخص المعتكف هو الذي حبس نفسه في مكان مقدس لعبادة الله سبحانه.

و"المعرة" هو الأمر القبيح المكروه، و"تزيلوا" أي تميزوا وانفصل بعضهم عن بعض، والمراد هنا امتياز المؤمنين عن المشركين.

وتشير هذه الآية الى أحد أسباب الصلح وهو أنه كان بين المشركين عدد من المسلمين يؤدون مناسك الحج، ولو أصر المسلمون على دخول مكة بالقوة لأصابوا شيئاً من دماء هؤلاء المسلمين لعدم معرفتهم بهم، فأراد الله أن يحفظ دماء هؤلاء المسلمين فأمر نبيه بالصلح والمعاهدة.

فورد عن الإمام الحسن عليه السلام في تبرير قبوله بالصلح مع معاوية قائلاً: (فإني تركته لصلاح الأمة وحقن دمائها).

--فاصل—

مستمعينا الكرام، ومما نستقيه من هذه الآية المباركة، أولاً: على القيادة الإسلامية أن تبين أسباب اتخاذ القرار بالحرب والسلم، فالأوامر الإلهية كلها لها أسباب وغايات، وأمر الله بصلح الحديبية سببه الحفاظ على دماء المسلمين.

ثانياً: تقديم الأهم على المهم من القواعد العقلية والشرعية والعرفية.

وثالثاً: لا ينبغي للمسلمين أن يعطوا العدو حجة ومستمسكاً يستفيد منه إعلامياً أو سياسياً، فلو دخل المسلمون مكة عنوة وقتل في الهجوم بعض المسلمين خطأ لاستغل المشركون هذه الدماء وشنّعوا على المسلمين أنهم عتاة قساة لا يرحمون حتى أبناء دينهم.

--فاصل—

ختاماً، إخوتنا الأفاضل، نشكركم لحسن استماعكم وطيب متابعتكم لبرنامج "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر وتفسير ميسر آخر من آي القرآن الكريم تقبلوا تحياتنا والى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة