بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله والصلاة والسلام على عباد الله سيما سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين.. مستمعينا الأكارم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. تحية لكم وأنتم تستمعون من إذاعة طهران لبرنامجكم "نهج الحياة" وتفسير ميسر آخر من آي الذكر الحكيم حيث سنواصل في هذه الحلقة من البرنامج تفسير سورة محمد (ص) فكونوا معنا وتابعونا مشكورين..
--فاصل—
أيها الأفاضل، أما الآن وقبل أن نشرع بتفسيرها لنستمع الى تلاوة الآية الثامنة عشرة من سورة محمد (ص)..
فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ{18}
"الأشراط" في هذه الآية، أيها الأطائب، هو جمع "شرط" وهو الآية والعلامة، والمراد من قوله تعالى (فقد جاء أشراطها) بعثة النبي (ص) بناء على رواية عنه صلوات الله عليه. وذلك أنه آخر الأنبياء وكتابه آخر الكتب السماوية، وهو الحجة الإلهية الأخيرة على الناس، وبالتالي فإن الفساد والمعاصي والكفر والإنكار تساعد كلها على تعجيل قيام الساعة.
وعلى الرغم من أن كلمة "ساعة" تستعمل عادة للدلالة على يوم القيامة، فإنه لا مانع أن يكون المراد منها في بعض الموارد اقتراب الجزاء والعقاب الإلهي في الدنيا مقدمة ليوم القيامة.
فورد عن عبدالله بن عباس قائلاً: ((حججنا مع رسول الله (ص) حجة الوداع فأخذ باب الكعبة ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: ألا أخبركم بأشراط الساعة؟ وكان أدنى الناس منه يومئذ سلمان الفارسي، فقال: بلى يا رسول الله، فقال: من أشراط الساعة إضاعة الصلوات واتباع الشهوات، والميل مع الأهواء، وتعظيم أصحاب المال، وبيع الدنيا بالدنيا)) وتحصي بعض الروايات عدد أشراط الساعة فتصل به إلى مئة علامة.
--فاصل—
والآن، إخوتنا الأكارم، ننصت وإياكم الى تلاوة مرتلة للآية التاسعة عشرة من سورة محمد (ص)..
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ{19}
أيها الأطائب، وردت عبارة "واستغفر لذنبك" في سورة غافر في الآية الخامسة والخمسين، وبما أن الأنبياء جميعاً معصومون، فلابدّ من أن يكون المراد من هذه أحد أمور، هي: الإستغفار بما هو عبادة لله سبحانه، من دون أن يتوقف على صدور الذنب والإستغفار من ترك الأولى، أي الإستغفار من أجل ترك بعض الأمور التي كان من الأولى بالأنبياء أن يقوموا بها والإستغفار من أجل أن يتعلم الناس الإستغفار، والإستغفار طلباً لإرتفاع الدرجات.
ويرى بعض المفسرين أن كلمة ذنب لا تدل دائماً على المعصية، بل تدل في بعض الإستعمالات على الذنب بمعنى التبعة والأثر الذي يترتب على الفعل، وبناء عليه يكون المراد من "ذنب النبي" تبعات أعماله وجهوده في سبيل الدعوة الإسلامية، ومواجهة الكافرين؛ أي الأذى يناله منهم كالقتل والإعتداء والهتك. وبالتالي يكون المراد من الإستغفار الطلب من الله أن يخفي آثار هذه الأعمال وانعكاساتها السلبية عند الكافرين.
و تشير هذه الآية المباركة إلى أن إحاطة علم الله بأفعال العباد هي من الأمور التي تثير الخشية في نفوس الناس وتدعوهم الى طلب العفو والمغفرة منه عزوجل؛ كما تشير الى أن علم الله لا حدود له، فلا يغيب عنه، تعالى شأنه، شيء، سواء في ذلك الحركة أم السكون.
--فاصل—
أحبة الخير، ندعوكم الآن الى الإستماع لتلاوة الآية العشرين من سورة محمد (ص)..
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ{20}
مما نتعلمه من هذه الآية الكريمة، أيها الأحبة، أولاً: بعض المؤمنين على استعداد دائم، ينتظرون الأمر بالجهاد في سبيل الله وهم يعلنون ذلك ويرددونه على ألسنتهم.
ثانياً: الجهاد من الأمور الخاضعة للأمر الإلهي.
ثالثاً: يمكن الحكم على الناس، ومعرفة ما يختلج في نفوسهم، من طريقة نظرهم ومن النظر إليهم.
ورابعاً: الدعاء على الكافرين بالموت من الشعارات ذات أصل قرآني.
وبهذا، إخوة الإيمان، نصل الى ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فشكراً لحسن إصغائكم وطيب متابعتكم وفي أمان الله.