بسم الله وله الحمد حمد الشاكرين على نعمائه ثم الصلاة والسلام على سيد الأنام محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين..
حضرات المستمعين الأفاضل سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. تحية طيبة لكم أينما كنتم وأنتم تستمعون الى تفسير ميسر آخر من القرآن الكريم ضمن برنامج "نهج الحياة" حيث سنكمل في هذه الحلقة من البرنامج تفسير سورة الأحقاف المباركة بدءً من الآية الخامسة عشرة بعد استماع تلاوتها فكونوا معنا على بركة الله...
وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ{15}
أيها الأكارم، "الكره" في هذه الآية، هو المشقة التي تنال الإنسان من ذاته، و"الكَره" هو ما يناله من الخارج في ما يحمل عليه ويلزم به. أما جملة "وأوزعني أن أشكر" تعني: حقق في نفسي الرغبة في الشكر؛ لأن الوزع في اللغة له معان منها الولوع بالشيء.
أما ما نتعلمه من هذه الآية المباركة أولاً: الأمر بالإحسان الى الوالدين توصية الأديان كلها عبر التاريخ، ويستفاد هذا المعنى من استخدام الآية صيغة الماضي للأمر بالإحسان، فقال عزوجل (ووصينا)، بدل (نوصي).
ثانياً: يجب الإحسان الى الوالدين مسلمين كانا أم غير مسلمين.
ثالثاً: الشكر لله يحتاج الى التأييد والدعم الإلهي.
ورابعاً: أفضل سبل الشكر لله تعالى هو العمل الصالح.
أما الآن، إخوتنا الأفاضل، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآية السادسة عشرة من سورة الأحقاف المباركة..
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ{16}
مما تشيره هذه الآية المباركة، عزيزي المستمع، هو أن الأعمال كلها مهما عظمت تفقد قيمتها إن لم يتقبلها الله عزوجل، حتى لو كانت بناء الكعبة؛ ومن هنا نجد النبي إبراهيم (عليه السلام) يطلب من الله أن يتقبل منه عمله في رفع القواعد من الكعبة مقترناً بالعمل.
ومما تعلمنا إيانا هذه الآية المباركة أولاً: قيمة العمل بقبوله عند الله.
ثانياً: لا ينحصر قبول الأعمال بالصالحين المعصومين، بل إن من يعصي ويتوب يقبل الله منه ويتجاوز عن سيئاته.
وثالثاً: مهمة الأنبياء عبر التاريخ كانت نقل الرسائل والوعود الإلهية للناس.
والآن، أيها الأحبة، نصغي خاشعين الى تلاوة الآيتين السابعة عشرة والثامنة عشرة من سورة الأحقاف المباركة..
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ{17} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ{18}
كلمة "أف"، مستمعينا الكرام، تقال لإظهار الإنزعاج والغضب، وفيها شيء من الإهانة وسوء الأدب خاصة مع الأبوين.
ومما تشيره لنا هاتان الآيتان هو أن بعدما ذكر الله في الآية السابقة البر والإحسان بالوالدين وغيرهما مما ورد في الآية كالإيمان وشكر النعم الإلهية، تعرضت هذه الآية للحديث عن العقوق وعاقبة العاق.
كما تشير الى أن من لا يؤمن بالله يخسر كل ما أنعم الله به عليه في الدنيا ويتلفه من دون فائدة أو منفعة تعود عليه، ثم يحشر يوم القيامة خاسراً لا يلوي على شيء.
ومما نستلهمه من هاتين الآيتين المباركتين أولاً: على الرغم من عقوق الولد وصدور الإهانات عنه الى والديه وقول "أف لكما" إلا أن إيمان الوالدين ومحبتهما للولد يدعوانهما الى الحرص على هدايته بدعوته مباشرة أو بالدعاء الى الله بأن يهديه.
ثانياً: الوالدان مسؤولان عن هداية الولد ودعوته الى الحق ومطالبان بالإصرار على ذلك مهما كان موقف الولد ورد فعله.
ثالثاً: من أساليب التربية تذكير الآباء أبناءهم بالآخرة والمعاد.
ورابعاً: عناد الأبناء في الكفر من موانع استجابة دعاء الوالدين في حقهم.
إخوتنا الأفاضل، بهذا وصلنا الى ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" آملين أن قد نالت رضاكم فحتى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.