بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين.. حضرات المستمعين الأفاضل سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. تحية طيبة لكم وأهلاً بكم في لقاء آخر من برنامجكم القرآني" نهج الحياة" والذي سنتناول فيه تفسير سورة الأحقاف المباركة نبتدأه بالإستماع الى تلاوة الآية الحادية عشرة منها:
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ{11}
أيها الأكارم تشير هذه الآية الى أن بعض الكفار يجعل أنفسهم معياراً للتمييز بين الحق والباطل، ومن ثم يقولون كما ينقل القرآن عنهم: لو كان الإيمان بالإسلام خيراً لما سبقنا إليه أحد.
وتعلمنا هذه الآية المباركة أولاً: الإعلام المضاد للإسلام، ومحاولات توهينه، ليست جديدة، بل تعرض هذا الدين لمثل هذه الحملات منذ الأيام الأولى لبدء دعوته.
ثانياً: لا شك في أن القرآن كتاب هداية، ولكن المشكلة هي في من لا يؤمن به كفراً وعناداً.
ثالثاً: لا ينبغي للقائد أن يكتفي ببيان الواقع، بل عليه أن يتوقع الدعاوي المضادة التي ربما يعمل عليها الأعداء.
ورابعاً: الشبهة المعاصرة التي تدعي أن القرآن يصلح لزمن النبي (ص) فقط ولا يصلح لهذا العصر ليست شبهة جديدة، بل كان المعاصرون للنبي يثيرون مثل هذه الشبهة في وجه الدعوة الإسلامية.
والآن أيها الأكارم ندعوكم الى الإستماع الى تلاوة الآية الثانية عشرة من سورة الأحقاف المباركة:
وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ{12}
تعد هذه الآية، إخوتنا الأكارم، تتمة ومتابعة للآية التاسعة التي تقول على لسان رسول الله (ص) إنه نبي جديد، ولكنه ليس بدعاً من الرسل، فقد سبقه أنبياء قبله. وتؤكد الآية الثانية عشرة هذه الحقيقة بإشارتها الى كتاب النبي موسى (ع) وينطبق هذا الحكم على النبي عيسى (ع) وكتابه، ولم تشر إليه الآية، وربما ذلك بسبب كثرة عدد المعارضين للنبي (ص) من اليهود في المدينة، مضافاً إلى قبول التوراة إجمالاً بين المسيحيين، وإيمانهم بها ككتاب مقدس.
كما تعلمنا هذه الآية أن الإحترام والإنتصار ببعض الماضين من أساليب مواجهة الإتهام وتخريب السمعة وأن الإيمان بالكتاب السماوي إحسان، وإنكاره ظلم وعدوان.
أما الآن، أيها الأكارم، نشنف آذاننا بالإستماع الى تلاوة الآيتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة من سورة الأحقاف المباركة:
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{13} أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{14}
أيها الأفاضل، تشير الآية الثالثة عشرة الى أنه ليس المطلوب هو التلفظ بعبارة "ربنا الله" بل المراد هو الإعتقاد بمضمونها، وما يترتب على هذا الإعتقاد من اختيار طريق الحق والسير فيه، وفي الحقيقة، إن الثبات في طريق الحق أهم من إعلان الإيمان.
كما تشير الى أن الثبات على الحق من الأمور الصعبة والمرهقة، ولكن الثواب الموفور والنعمة الكبيرة التي تترتب عليه تسهله وتخفف من معاناة الثابتين عليه، ومن هنا نعلم ضرورة جعل الثواب على الأعمال المرهقة والمتعبة.
وتعلمنا هاتان الآيتان أن الإيمان بالله سبحانه من وسائل رفع الخوف وقطع منابته وأن السائر في طريق الحق وسبيل الله هو وحده الذي لا يشعر بالحزن ولا يندم على ما فات من حياته.
كما تعلمنا أن الخلود في الجنة هو الثواب الذي وعد به الله عزوجل على الإيمان والثبات عليه وعلى العمل الصالح.
إخوة الإيمان، بهذا وصلنا الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" شكراً لحسن استماعكم والى اللقاء.