بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، مستمعينا الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركاته.. تحية طيبة لكم وأهلاً بكم أينما كنتم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من برنامجكم القرآني نهج الحياة وتفسير مبسط من سورة أخرى من القرآن الكريم هي سورة الأحقاف المباركة، سورة مكية تتألف من خمس وثلاثين آية.
و"الأحقاف" أحبتنا الأكرام، جمع حقف، وهو المعوّج من الرمل، وتتضمن معنى الحركة والإنتقال، وهو إسم ديار قوم عاد. سميت بسبب طبيعتها وما في أرضها من رمل. وقد سميت السورة بهذا الإسم لما فيها من ذكر قوم عاد ونبيهم هود.
ندعوكم الآن، أيها الأفاضل، للإستماع الى الآيات الأولى حتى الثالثة من سورة الأحقاف المباركة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم*بسم الله الرحمن الرحيم*
حم{1} تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ{2} مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ{3}
عزيزي المستمع، العزة، هي من الأوصاف التي وصف الله بها نفسه في القرآن الكريم، ووصف بها كتابه، فقال عن نفسه "من الله العزيز الحكيم" ووصف بها كتابه في قوله في الآية الحادية والأربعين من سورة فصلت "وإنه لكتاب عزيز" .
كما تشير هذه الآيات المباركة الى أن الله قد خلق العالم على أساس الحكمة والحق، فإذا شاهدنا في خلق الله ما لا نفهمه، لابد من أن نتهم أنفسنا وليس ذات الباري تعالى. فالمشكلة في قصور علمنا، وليست في خلق الله سبحانه.
وبالتأمل في الآيات التي تأتي بعد الحرفين المقطعين (حم) نستنتج بأن مصدر القرآن علم الله وعزته ورحمته ومحبته وقدرته سبحانه وحكمته. وكذلك يستفاد منها أن القرآن كتابٌ بيّن يستحق التفكر والتعقل وأنه كتاب مبارك ومنشأ للبركة.
وما نتعلمه من هذه الآيات هو أن النظام الهادف لا يتحقق من دون برنامج واضح المعالم، ومن هنا كان كل من التكوين والتشريع مبيناً على أساس الحكمة، كما أن السموات والأرض بل وعالم الوجود كله، لها نهاية وغاية تصل إليها، ولا يقع شيء من المخلوقات الإلهية في مجال الصدفة.
كما تشير الى أن الوجود كله يسير باتجاه الحق، والإنسان الجاحد وحده هو الذي ينحرف عن هذا المسار.
أما الآن مستمعينا الأفاضل ننصت وإياكم الى تلاوة الآية الرابعة من سورة الأحقاف المباركة قبل بيان معانيها..
قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{4}
أيها الأفاضل، جاء في تفسير نور الثقلين عن أبي عبيدة قال: سألت الإمام الباقر عليه السلام عن قوله تعالى (ائتوني بكتاب من قبل هذا...) قال (ع): عنى بـ(الكتاب) التوراة والإنجيل، و(أثارة من علم) فإنما عنى بذلك علم أوصياء الأنبياء.
وما نتعلمه من هذه الآية الكريمة أولاً: يمكن لطريقة السؤال والجواب أن تكون مجدية في إحياء الفطرة، ودعوة الناس الى التفكر وإعادة النظر في ما يؤمنون به أو ينكرونه.
ثانياً: الثبات على المعتقد من الشروط الأساس في التبليغ، وعلى المبلغ أن لا يسمح لليأس بأن يدب في نفسه، عندما يعرض عنه الذين يدعوهم.
ثالثاً: في الجدل لابد من الإستناد الى المشتركات، وفي الآية جرى استناد الجدل مع المشركين الى اعتقادهم بخالقية الله عزوجل.
رابعاً: كل دعوى لابد من أن تستند الى دليل، ولا تقبل الدعوى من دونه.
وخامساً: ترتبط قيمة آثار الماضين وما تركوه من إرث ثقافي وغيره، بما تشتمل عليه من علم ورشد.
مستمعينا الكرام، بهذا وصلنا الى ختام هذه الحلقة من برنامج (نهج الحياة) شاكرين لكم طيب استماعكم وحسن متابعتكم فحتى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.