بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد الخلق أجمعين محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين.. حضرات المستمعين الكرام سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. تحية طيبة لكم أيها الأحبة أينما كنتم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من حلقات برنامج نهج الحياة وتفسير ميسر آخر من آي القرآن العظيم حيث سنواصل فيها تفسير سورة الزخرف المباركة.. بداية ندعوكم للإستماع الى تلاوة مرتلة للآيتين التاسعة والأربعين والخمسين منها ومن ثم نواصل الحديث..
وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ{49} فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ{50}
أيها الأفاضل.. تعلمنا هاتان الآيتان أولاً: الأفراد الوضعيون يلجأون إلى إهانة الآخرين حتى في حالات الشدة والعذاب، بقولهم (يا أيها الساحر..).
ثانياً: يرى المجرمون في أعماق داخلهم أن أولياء الله مستجابو الدعوة لقوله تعالى (ادع لنا ربك..).
ثالثاً: يعطي الإنسان عند الشدائد عهده، ولكنه متى ارتفعت عنه الشدائد ينكث عهده.
ورابعاً: عند الإحساس بالخطر تستيقظ فطرة الإنسان.
أما الآن، إخوتنا الأكارم، نستمع وإياكم الى تلاوة الآيتين الحادية والخمسين والثانية والخمسين من سورة الزخرف المباركة..
وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ{51} أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ{52}
أيها الأفاضل، جملة (أنا خير) وردت في القرآن الكريم مرتين، مرة على لسان إبليس وأخرى على لسان فرعون.
كما تشير هاتان الآيتان بأن العدو يسعى إلى تكبير نقاط الضعف. فإن موسى عليه السلام و نظراً الى ثقل لسانه فإنه، كما ورد في الآية الرابعة والثلاثين من سورة قصص، قال (وأخي هارون هو أفصح مني..) .. ولكن فرعون يسلط الضوء على ذلك فيقول (ولا يكاد يبين).
كما تبين هاتان الآيتان صفات الطاغوت والتي تتمثل بـ :الخوف والتفاخر والإستبداد والعجب والعقيدة الباطلة والإعتماد على الثروة.
وما نتعلمه من هاتين الآيتين أولاً: عندما يشعر الطواغيت بالخطر يلجأون الى الإعلام.
ثانياً: يسعى الطاغوت لإستغلال عواطف الناس وشعورهم.
ثالثاً: محورية الذات من خصائص الطواغيت.
ورابعاً: النظر بعين الضعة للآخرين بسبب شكلهم الظاهري كاللباس، هو سلوك فرعوني.
والآن، أيها الأفاضل، نشنف آذاننا بالإستماع الى الآيات الثالثة والخمسين حتى السادسة والخمسين من سورة الزخرف المباركة..
فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ{53} فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ{54} فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ{55} فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (56)
أيها الإخوة الأفاضل، مفردة (أسورة) التي جاءت في الآية الثالثة والخمسين، هي جمع سوار وهو ما يوضع على اليد.
ومما تشير إليه هذه الآيات أنه يعتمد حكم الحكام في السلطة غير الشرعية على أساس الإستخفاف بالناس واستحقارهم، ولكن طاعة الناس في النظام الحق تكون على أساس اختيار الأفضل، حسب قوله تعالى في الآية الثامنة عشرة من سورة الزمر (يستمعون القول فيتبعون أحسنه..) وذلك مع المحبة لقوله تعالى في الآية التاسعة والخمسين بعد المئة من سورة آل عمران (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك..).
كما يطلق على الماضين (السلف) وعلى الآتين (الخلف)، ويطلق على ما يكون مشابه (مثل). ويطلق المثل على مايضرب كنموذج وهو ما يجري على الألسن في قوله تعالى (فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين).
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات المباركات أولاً: إضعاف القادة الربانيين وبث الشبهات هو من فعل الفراعنة.
ثانياً: ضعف النفس وضياع الهوية سبب للتسليم أمام الطواغيت.
ثالثاً: المجتمع الذي يخرج عن طاعة الله عزوجل لا يثق بنفسه ويستخف به غيره.
رابعاً: قد تقع العقوبات في هذه الدنيا قبل عذاب الآخرة.
وخامساً: حوادث الأمم السابقة درس لعبرة الأمم الآتية.
إخوتنا الأفاضل، بهذا وصلنا الى ختام هذه الحلقة من برنامجكم القرآني (نهج الحياة) نتمنى أن قد نالت إعجابكم، فحتى لقاء آخر نستودعكم الباري تعالى والسلام خير ختام.