بسم الله وله الحمد حمد الشاكرين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين..
حضرات المستمعين الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمة منه تعالى وبركات.. تحية طيبة لكم أينما كنتم وأهلاً بكم وأنتم على مائدة القرآن الكريم وحلقة أخرى من برنامج (نهج الحياة) حيث سنواصل فيها تفسير آيات سورة الشورى المباركة نستهله بالإستماع الى تلاوة الآية الرابعة والعشرين منها فكونوا معنا مشكورين..
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{24}
تشير هذه الآية، أيها الأكارم، الى أن منكري النبوة كانوا يقولون في الرسالة وبعثة النبي (ص) "وما أنت إلا بشر مثلنا" كما تذكر هذه الآية أن غضب الله عزوجل ينزل على النبي ويختم على قلبه، لو كان هذا القرآن افتراءً على الله، وهو شبيه بما ورد في قوله تعالى في سورة الحاقة "ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين".
فما تعلمناه من هذه الآية المباركة أولاً: لا يقبل ما كان افتراءً من أي شخص كان.
ثانياً: الختم على القلب هو من أعظم أنواع العذاب الإلهي؛ لأنه عقاب على أعظم الذنوب.
وثالثاً: لم يفتر النبي (ص) على الله عزوجل، كما لم يفكر بذلك إطلاقاً، لأن الله تعالى محيط وعليم بما في الصدور.
أما الآن، إخوتنا الأفاضل، نستمع وإياكم الى تلاوة الآيتين الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين من سورة الشورى المباركة...
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ{25} وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ{26}
مستمعينا الأفاضل، تشير هاتان الآيتان الى أن قبول توبة العاصين والعفو عنهم بيد الله عزوجل فقط، كما تبين بأن لا طرق مسدودة في الإسلام وطريق العودة والإنابة مفتوح على الدوام حسب قوله عز من قائل (وهو الذي يقبل التوبة).
وورد عن الإمام الباقر (ع) في تفسير الآية الـ 26 قوله عليه السلام: "هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب فيقول له الملك: آمين ويقول الله العزيز الجبار: ولك مثلاً ما سألت وقد أعطيت ما سألت بحبك إياه".
أما ما تعلمناه من هاتين الآيتين الشريفتين أولاً: يرغب الله عباده بالتوبة من خلال الوعد بالمغفرة.
ثانياً: لابد من أن تكون التوبة مع العمل على التغيير في القول والفعل، وإلا كانت نفاقاً ورياء، والله يعلم بذلك.
ثالثاً: شرط استجابة الدعاء الإيمان والعمل الصالح.
ورابعاً: لابد من أن يقترن الترغيب بالترهيب.
والآن، أعزاءنا المستمعين، نشنف آذاننا بالإستماع الى تلاوة الآيتين السابعة والعشرين والثامنة والعشرين من سورة الشورى المباركة..
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ{27} وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ{28}
أيها الأفاضل، ورد في الآية السابقة أن الله وعد بإستجابة دعاء المؤمنين، وهنا يأتي السؤال عن بعض أدعية المؤمنين في طلب الرزق لماذا لا تستجاب؟ والجواب عن ذلك أن استجابة الدعاء تابعة للحكمة الإلهية، فقد تكون سعة الرزق باباً من أبواب الغفلة عن الله عزوجل وسبباً في الطغيان والتعدي، فكم من الناس كانت الثروة سبباً في هلاكهم.
أما بالنسبة لكلمة (غوث) فهي تطلق على المطر النافع، وأما المطر فهي أعم لأنه يطلق على ما كان مفيداً ونافعاً وعلى ما كان مضراً، كما قال تعالى في سورة الفرقان "..أمطرت مطر السوء.." وأما (القنوط) فهو اليأس.
ومما تعلمنا هاتان الآيتان أولاً: كما أن العطاء الإلهي لطف فكذلك الحرمان الإلهي هو أيضاً لطف.
ثانياً: لا ينبغي للمؤمن أن يسيء الظن بالله سبحانه بسبب ضيق العيش.
ثالثاً: الملجأ الوحيد للإنسان في مصائبه هو الله تعالى.
رابعاً: الغيث مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية.
إخوة الإيمان، وبهذا وصلنا الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم (نهج الحياة) فحتى لقاء آخر نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.