بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على رسول الله وخاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. حضرات المستمعين الأفاضل تحية طيبة وأهلاً بكم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من برنامجكم القرآني (نهج الحياة) وتفسير ميسر من آيات سورة فصلت المباركة حيث نبتدئ من الآية الثامنة بعد الإستماع الى تلاوتها فكونوا معنا مشكورين...
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ{8}
كلمة (ممنون) في هذه الآية، عزيزي المستمع، بمعنى المقطوع أو ما كان محلاً للمنة، فتشير هذه الآية المباركة أنه لا انفصال بين الإيمان والعمل الصالح، كما أن الإيمان يسبق العمل الصالح.
فمن يعمل صالحاً في هذه الدنيا دون منة، سوف يلقى ثوابه في الآخرة دون منة ولا يمن الله عزوجل على أهل الجنة على الرغم من النعم العظيمة التي يغدقها عليهم.
والآن أيها الأفاضل نشنف أسماعنا الى تلاوة الآيتين التاسعة والعاشرة من سورة فصلت المباركة:
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ{9} وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ{10}
أيها الكرام، في الحلقة السابقة لاحظنا في الآية الخامسة كيف أن الكفار بينوا عنادهم وإصرارهم على الكفر، بقولهم قلوبنا في أكنة، وفي آذاننا وقر، ومن بيننا وبينك حجاب وغيرها، وفي هذه الآية يخاطب الله نبيه آمراً إياه بأن لا يعتني بما يقوله هؤلاء وأن يستمر بما يثيره من أسئلة وما يأتي به من أدلة.
وأما المراد من خلق الأرض في يومين هو خلقها على مرحلتين، فقبل خلق الأرض والسماء ووجود الليل والنهار واليوم والشهر والسنة لا معنى لليومين حتى يقال إن الله خلق الأرض في يومين. أما الرواسي فهي جمع راسية وهو الجبل الثابت، و الـ "سواء" هنا بمعنى التساوي فالمراد من "سواء للسائلين" أن الأقوات قدرت بحسب الحاجات.
كما ذُكر أن المراد من أربعة أيام هي الفصول الأربعة، وذُكر أن تغير الفصول مؤثر في توفير رزق المخلوقات.
تعلمنا هاتان الآيتان أولاً: أفضل طريق لدعوة الكفار، بيان اللطف الإلهي. ثانياً: تقدير الرزق وجعل البركة في الأرض هو من شؤون الربوبية. ثالثاً: لابد من السعي لنيل الرزق، فكلمة "للسائلين" تدل على الطلب، والطلب ليس هو السعي وبذل الجهد في سبيل ذلك.
أما الآن، أعزاءنا المستمعين، نستمع وإياكم الى تلاوة الآيتين الحادية عشرة والثانية عشرة من سورة فصلت المباركة فكونوا معنا مشكورين:
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ{11} فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ{12}
كما بينا سابقاً، أيها الأكارم، أن الكفار قد قالوا لرسول الله (ص): في قلوبنا أكنة وبيننا وبينك حجاب، وفي آذاننا وقر؛ والخ.. ولكن الآية الحادية عشرة تصف السموات والأرض بإطاعتهما الأمر الإلهي، فهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن للوجود شعور وهو يقع محلاً للخطاب.
وعلى الرغم من قدرة الله تعالى على خلق كل شيء بإرادة واحدة، ولكن حكمته اقتضت أن يخلق السموات على مرحلتين.
كما وتعرضت الآية الثانية عشرة للحديث عن النجوم ضمن أكثر من عنوان وهي: زينة السماء وحفظ السماء وضوء السماء، وتعلمنا هذه الآية أن لا فرق بالنسبة للقدرة الإلهية بين خلق الأرض وخلق السموات بسبع طبقات، فخلقهما كان على مرحلتين أيضاً وعلى الرغم من أن لكل سماء أمرها وخصوصيتها ولكن مصدر الجميع واحد. كما وتشير الآية المباركة أن التقدير الإلهي يتسم بالحكمة والعدل ولا تخضع المقدرات الإلهية لأي كان.
إخوتنا الأكارم، بهذا وصلنا الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم القرآني (نهج الحياة) فحتى الملتقى نستودعكم الباري تعالى والسلام خير ختام.