الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا الانبياء والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين الهداية المهديين ومن تبعهم بأحسان الى يوم الدين.
موعدنا ايها الاخوة والاخوات في هذه الحلقة مع امام اخر من ائمة اهل البيت(ع)، الامام محمد الجواد بن الامام علي بن موسى الرضا لقد كان الامام الجواد رغم قصر عمره عظيماً في تاريخه ولقد كانت حياته رغم قصرها حافلة بقصص العظمة والشخصية الخالدة.
كان صلوات الله عليه وهو فرع من الشجرة المحمدية على مرتبة عالية من الاخلاق ومن الفضائل ومن حسن السيرة وكان من ابرز خلقه كما ذكرت في حلقات سابقة هو توجهه الاجتماعي فقد كان مهتماً بشؤون الناس الاجتماعية والاخلاقية والاقتصادية والروحية ولنا في هذا المجال عشرات من الشواهد والقصص التي تحمل الينا دروساً خالدة وتتضمن برامج للحياة ومناهج للتكامل الانساني، ففي رواية عن محمد بن الوليد بن مسافر يقول: اتيت ابا جعفر وهو كنية الامام الجواد(ع) فوجدت في داره قوماً كثيرين ورأيت ابن مسافر وهو جالساً في معزل عن الناس فعدلت اليه وجلست معه حتى زالت الشمس فقمت الى الصلاة فصليت صلاة الظهر والنوافل بعدها ثم احسست بحركة ورائي فألتفت واذا بأبو جعفر الامام الجواد(ع) فقمت اليه وسلمت عليه وقبلت يده فجلس ثم سألني بلطف ما الذي اقدمك؟ وما الذي اتى بك الى هذا الامر، فقال لي الامام من دون ان ابوح له بذلك: سلم سلم فقلت: يا سيدي قد سلمت وامنت بأمامتك.
قال: ويحك! تم تبسم في وجهي واناب اليّ. فقلت: سلمت اليك يابن رسول الله وقد رضيت بك اماماً، فكأن الله جلا عني غمي وزال ما في قلبي من المرض من امامته حتى اجتهدت ورميت الشك الى ما وصلت اليه.
نعم الامام وهو وصي رسول الله يعلم شيئاً من الغيوب بتعليم الله سبحانه وتعالى وليس في هذا الامر غرابة فهناك اشخاص ذكرهم القرآن الكريم، كانوا يعلمون بجانب من الغيب ويخبرون به، هذا هو النبي العظيم عيسى وهذا هو الشخص الذي رافق موسى وصاحبه كلاهما اخبرا بالغيب طبعاً باذن الله وتعليم من الله فلا غرابة اذا وجدنا وصي افضل الرسل وهو الامام محمد الجواد يعلم بشئ من الغيب بتعليم من الله ويخبربه.
يقول الراوي: ثم عدت من الغد بكرة وانا اتوقع من اجد وينتهي خبري الى الامام ثم انتظرت طويلاً حتى اشتد عليّ الجوع فبينما انا كذلك اذ اقبل نحوي غلام حمل اليّ خواناً فيه طعام الواناً وغلام اخر معه طست وابريق فوضعه بين يدي وقال مولاي يأمرك ان تغسل يديك وتاكل فغسلت يدي واكلت من ذلك الطعام فاذا بالامام ابي جعفر الجواد(ع) قد اقبل فقمت اليه فأمرني بالجلوس فجلست واكلت فنظر اليّ الغلام وانا ارفع ما سقط من الخوان على الارض فقال له ما كان معك في الخوان فدعه ولو كان فخذ شاة وما كان معك في البيت فألقطه وكله فان فيه رضا الرب ومجلبة الرزق وشفاء من الداء ثم قال لي: اسأل قلت: جعلت فداك، ما تقول في المسك؟
فقال لي: ان ابي الرضا(ع) امر ان يتخذ له مسك فيه بان كتب اليه الفضل بن سهل يقول يا سيدي ان الناس يعيبون ذلك عليك، كيف تتخذ وانت امام مسكاً فيه بان فكتب(ع) "يا فضل ما علمت ان يوسف الصديق(ع) كان يلبس الديباج مزرراً بالذهب والجوهر ويجلس على كراسي الذهب واللجين فلم يضره ذلك ولا نقص من نبوته شيئاً، وان سليمان بن داود وضع له كرسي من الفضة والذهب مرصعاً بالجوهر وعليه علم وله درج من ذهب اذا صعد على الدرج اندرج فتراً واذا نزل انتثرت بين يديه والغمام يضلله والانس والجن تخدمه وتقف الرياح لامره وتجري كما يأمرها والسباع والوحوش والطير عاكفة من حوله والملائكة تخلف اليه فما يضره ذلك ولا نقص من نبوته شيئاً ولا من منزلته عند الله وقد قال الله عزوجل قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين امنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة".
ان هذه القصة المفصلة التي اختصرت منها واقتبست منها شيئاً تدل على امور هي في الحقيقة درس لنا في هذا الزمن اولاً عناية الامام بالناس ومشاكلهم وحوائجهم خصوصاً الذين يقدمون الى بلد ويزورون مدينة معينة فلابد قدموا الى تلك البلد لحاج او لامر فقد يحجبهم عن ذكر ذلك الامر حاجت، لذلك من المستحسن ان الانسان يتفقد احوال الغرباء من اخوانه ومن المؤمنين ليقضي حوائجهم وليقوم بما يريد من المعونة والمساعدة.
هذه القصة تعطينا هذا الدرس اولاً حيث كان اهل البيت يتفقدون الغرباء ممن يقدمون الى المدينة المنورة او اي بلد كانوا يسكنون فيه لان البلدان التي يسكنها اهل البيت احياناً كانت الكوفة، احياناً سامراء واحياناً المدينة واماكن اخرى، هل الخلق كان يلازم اهل اللبيت(ع) اذا وجدوا شخصاً قدم الى بلد وتبدو عليه اثار الغربة يتفقدون احواله ويقومون بمساعدته، ثم كيف ان الامام نجده يطلع على ما كان ينويه ذلك الرجل او ما كان فيه من الشك في امامته ولهذا بادره سلم، اليس هذا هو اكبر دليل على انه امام يعلم بما في ضميره وطبعاً بتعليم من الله سبحانه وتعالى فان علوم اهل البيت كلها من الله ليس عندهم شئ من انفسهم انما هو من جانب الله سبحانه وتعالى، وكذلك كان يعلم به رسول الله(ص)، ثم كيف ان الامام بعث اليه بالطعام وهو لا شك عرف بهذا بالعلم الذي كان يعلم بالطريقة التي كان يختص بها والا فأن هذا الرجل لم يخبر احداً بأني جائع واحتاج الى طعام وهذه اية اخرى تدل على امامته وكيف انه باذن الله وباقدار الله يعلم بعض ما في نفوس الناس، ثم ان الامام(ع) يجيب على ذلك السؤال الذي طرحه ذلك الرجل، كيف يجوز للانسان ان يتخذ عطراً من نوع خاص او شيئاً عالي الثمن او ما شاكل ذلك؟
الامام يجيب لا بأس بذلك ثم يأتي بمثال عن ابيه الرضا(ع)، ثم هنا يصحح مفهوماً لذلك الرجل وهو ان اتخاذ الزينة وان اتخاذ العطر وان كان ثميناً او حتى اتخاذ الذهب والحرير والجواهر كما كان في ذلك الزمان جائزاً وان لم يكن في الاسلام جائزاً اتخاذ الذهب للرجل فان ذلك لا يضر بايمان الانسان وتقواه وبمنزلته المعنوية فالطيبت هي في الواقع للمؤمنين وهذا هو تصحيح لمفهوم خاطئ شائع عند الناس.
على كل حال حياة الائمة كانت حياة معطاء بالمساعدات المادية والفكرية والروحية وهذا هو شأن من نصبه الله لقيادة الامة ولهدايتها.
جعلنا الله من المتبعين لهم والمقتفين لاخلاقهم ان شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******