الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وخاتم المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين.
نعيش ايها الاخوة وايتها الاخوات اجواء ذكرى مولد رسول الله(ص) وما جدر بنا ان نقف وقفة تأمل وتدبر في هذه الشخصية واخلاقها وسيرته الفواحة العطرة، كيف لا وهو مقتدانا وهو اسوة لنا وهو هادينا ونبينا وهو في طليعة من قال سبحانه وتعالى في حقهم "يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" اجل انه محمد الصادق الامين.
ما اجدرنا بنا ونحن اتباع هذا النبي وتعود علينا هذه الذكرى ان نتدبر في سيرة هذا النبي العظيم الذي مدحه الله بقوله "وانك لعلى خلق عظيم".
ان رسول الله(ص) لو فتشنا التاريخ كله لا نجد له نظيراً ومثيلاً من حيث المنزلة ومن حيث المرتبة ومن حيث المقام عندالله فهو افضل الانبياء وهو اشرف الرسل وخاتم السفراء الالهيين الى البشر وهو الذي اخبر بمجيئه كل الانبياء وكل الرسل بل مهّد له الانبياء الطريق وهيئوا الارضية له ليأتي بالدين الكامل الشامل الاسلام ولذلك فلا يدانيه نبي ولا يشابهه ولا يضاهيه في عظيم المنزلة العظيمة وهذه المرتبة السامقة السامية كان اشد الناس تواضعاً مع الله سبحانه وتعالى وتواضعاً مع الخلق فاذا به وكأنه ليس ذلك الانسان العظيم الذي خيره الله سبحانه وتعالى بين ان يكون ملكاً عظيم يملك القصور ويملك الاموال الطائلة ويملك الخدم والحشم الكثير ولكنه يرفض ذلك، وكأنه ليس ذلك الانسان الذي لو اراد شيئاً لتحقق له باذن الله لان الله يحبه اشد الحب ولان الله فضله واكرمه انه يتواضع تواضعاً عجيباً حينما يقف في محراب العبادة حينما يقف امام ربه وايضاً حينما يعيش مع المؤمنين به، مع اتباعه وانصاره وهذا مما لا نجد له مثيلاً في سيرة العظماء، في سيرة الامراء، في سيرة الملوك.
اجل ان مثل هذا هو خلق الانبياء، خلق الرجال الالهيين، هناك قصص كثيرة ينقلها التاريخ لنا عن سيرة هذا النبي العظيم العطرة الفواحة الطافحة بالتواضع والتطامن مع المؤمنين به واتباعه وانصاره وقد ذكر هذا اهل البيت(ع) في عبارات خالدة سجلو فيها سيرة جدهم رسول الله(ص) فلنستمع الى الامام جعفر الصادق(ع) قال: "كان رسول الله(ص) يأكل اكل العبد ويجلس جلوس العبد ويعلم انه عبد".
اجل ألسنا نقول في الصلاة في التشهد "اشهد ان محمداً عبده ورسوله" لقد كان رسول الله(ص) يستسعر في نفسه انه عبد امام الله سبحانه وتعالى وقد تجلى هذا الشعور الباطني في سلوكه وعمله وتصرفه فكان اذا يأكل يأكل كما يأكل العبد، يتواضع واذا يجلس يجلس جلوس العبد وقد اكد هذا الامام الباقر والد الامام جعفر الصادق ووضحه بعبارة لطيفة حيث قال: "كان رسول الله(ص)يأكل اكل العبد ويجلس جلسة العبد وكان يأكل على الحضيض وينام على الحضيض اي على التراب" انك لن تجد في تاريخ الملوك والامراء الاكاسرة والقياصرة والفراعنة انساناً مثل هذا انه ليس ملكاً انه ليس فرعوناً انه نبي مرسل وقد دخل عليه عمربن الخطاب ذا يوم فوجده قد نام على الحصير وقد اثر الحصير في رقبته وترك علامات على بشرته المباركة فقال العمر: يا رسول الله أهكذا تعيش أهكذا تنام وانت من انت تملك خزائن الارض وبيدك كل شئ باذن وباقدار الله وبعناية الله فقال رسول الله(ص): يا عمر أتريدني ان اكون كسرى او قيصر، وفي عبارة اخرى وفي قصة اخرى قال يا عمر: أفلا اكون عبداً شكوراً. صلى الله عليك يا امام المتقين ياسيد المرسلين ويا خاتم السفراء الالهيين.
نعم هذا هو تواضع رسول الله ولنقف على لوحة اخرى من هذا التواضع، قال الامام الصادق(ع): مرت امرأة بدوية برسول الله(ص)وهو يأكل بينما هو جالس على الحضيض فقات: يا محمد والله انك لتأكل اكل العبد وتجلس جلوسه، لانها سمعت بعظمة رسول الله سمعت بحب اصحابه له وسمعت بكيفية تهالكهم بالتبرك بيده وبوضوءه وبالشعرات التي تتساقط من وجهه او رأسه الشريف حباً له ومودة له فتعجبت وكأنها كانت تتصور ان رسول الله(ص) وهو في هذه المنزلة من المحبة لدى الجماهير يعيش عيشه الاكاسرة والقياصرة، تيجان وصو لجانات وعروش وقصور وخدم واناس يقفون وقفة العبيد امامه فاذا بها ترى رسول الله(ص) يأكل وهو جالس على التراب فقالت متعجبة: يا محمد والله انك لتأكل اكل العبد وتجلس جلوسه فقال لها رسول الله(ص): "ويحك اي عبد اعبد مني".
الله ما هذه الكلمة وما عمق هذه الكلمة وعظمة هذه الكلمة وهي تصدر من اشرف البشر وهي تصدر من قطب عالم الامكان من اكمل الناس وافضل الناس. قال رسول الله(ص) لها: ويحك اي عبد اعبد مني قالت: فناولني لقمة من طعامك، هي شعرت بأنها امام انسان الهي، امام انسان يمتلأ جوفه ويمتلأ وجوده من المحبة الالهية ولهذا تواضع بهذا النوع وبهذا الشكل فقالت وهي تطلب بركته فناولني لقمة من طعامك فناولها رسول الله(ص).
فقالت: لا والله الاّ التي في فمك، اي طلبت تلك اللقمة التي لمست شفتيه الكريمتين. فاخرج رسول الله(ص) اللقمة من فمه فناولها فأكلتها، يقول الامام جعفر الصادق(ع) حفيد رسول الله فما اصابها داء حتى فارقت الدنيا.
نعم هذه لوحة من تواضع رسول الله وحسن تعامله مع المؤمنين به واتباعه وانصاره وانك لن تجد له نظيراً في عالم العظماء والكبار والامراء.
ولنقف على لوحة اخرى، يقول الامام جعفر الصادق(ع): ان رسول الله(ص) اقبل الى الجعرانة بعد غزو هوازن واغتنامه قدراً كبيراً من الاموال فقسم الاموال على المسلمين الذين كانوا معه وجعل الناس يسألونه فيعطيهم حتى الجأوه الى الشجرة فأخذت برده وحذشت ظهره حتى جلوه عن الشجرة وهم يسألونه فقال: ايها الناس ردوا عليّ بردي والله لو كان عندي عدد شجر تهامة نعماً لقسمته بينكم ثم ما الفيتموني جباناً ولا بخيلاً.
الله اكبر ما اعظم اخلاقك وما احلمك وما ابرك وصلى الله عليك يا سيد المرسلين.
*******