الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
بحب حيدرة الكرار مفتخري
به شرفت وهذا منتهى شرفي
هذا البيت افتتح به الحديث عن احد المصاديق التامة للصادقين بحبهم ومولاتهم لاهل البيت وهو شاعر اهل البيت واحد ألسنة اهل البيت وهو الحسين بن الحجاج النيلي البغدادي تغمده الله برحمته، طبعاً هو اساساً من منطقة تعرف بمنطقة مشروع المسيب الآن وله من الدرجة العالية في الشعر والادب بحيث يعرف بأن درجته هي درجة امريء القيس مثلاً، الحسين بن الحجاج النيلي عاصر السيدين الشريفين الرضي والمرتضى وله ديوان شعر يبلغ عدة مجلدات وقد جمع المرحوم الشريف الرضي مختارات من شعره يعني بعض المقاطع من شعره فسماه «الحسن من شعر الحسين» يعني الحسن المقتطفات يقصد من شعر الحسين، طبعاً من مفاخر قصائد هذا البطل الشاعر هي قصيدته التي زار فيها قبر امير المؤمنين وكانت آنذاك قبة الامام علي(ع) بيضاء بعد لم تذهب والقبة بناها داود العباسي في قصة طويلة نص عليها المؤرخون فهي اول قبة تبنى على قبر امير المؤمنين(ع) وكانت بيضاء من بعيد تشخص خصوصاً اذا كان الجو ناصع صافي فلما وصل الحسين بن الحجاج النيلي الى مشارف النجف وشاهد قبة الامام امير المؤمنين ابتهج، كان متلهف، مشتاق «اللهم ارزقنا زيارة امير المؤمنين» فأرتجل قصيدة هي من اروع قصائده مطلعها:
يا صاحب القبة البيضا على النجف
من زار قبرك واستشفى لديك شفي
زوروا ابا الحسن الهادي فأنكم
تحضون بالأجر والاقبال والشرف
زوروا لمن يسمع النجوا لديه
فمن يزره بالقبر ملهوفاً لديه كفي
وقل سلام من الله السلام على
اهل السلام واهل العلم واهل الشرف
ويستمر بهذا الادب الجميل وطبعاً القصيدة طويلة ثم يقول في مقاطع منها يقول:
اني اتيتك يا مولاي من بلدي
مستمسكاً بحبال الحق بالطرف
راج بأنك يا مولاي تشفع لي
وتسقني من رحيق شافي اللهف
بأعتبار الامام امير المؤمنين حسب الروايات هو ساقي العطاشا يوم القيامة من حوض الكوثر، كذا العدد الذي تشير اليه الروايات:
راج بأنك يا مولاي تشفع لي
وتسقني من رحيق شافي اللهف
لانك العروة الوثقى فمن علقت
بها يداه فلن يشقى ولن يخف
وانك الاية الكبرى التي ظهرت
للعارفين بأنواع من الطرف
وآخر ما يقول يختتم قصيدته بهذا البيت الذي افتتحت به حديثي:
بحب حيدرة الكرار مفتخري
به شرفت وهذا منتهى شرفي
صاحب كتاب الانوار المضيئة يروي هذه القصة عن الحسين بن الحجاج النيلي، ان محمد بن قارون كان محمد الصلحاء هذا لكن كان لا يحب الحسين بن الحجاج الا انه بعد ذلك شهي متفانياً في حبه والسبب ما هو؟
هل هذا التحول يروي صاحب الانوار المضيئة ان السبب في ذلك رؤيا رآها محمد بن قارون كأنه في المنام رأى بأنه في حرم الحسين(ع) وكأن الزهراء(ع) جالسة امام الضريح وامامها الامام الصادق وهو جالس الى جنب ضريح علي الاكبر يعني زاوية علي الاكبر علي اي حال هذه الرؤيا مهمة وجميلة وعظيمة، محمد بن قارون يقول انا اشاهد هذه الوجوه الصباح الكريمة عند الحرم في هذا المكان المبارك واذا فجأة مر الحسين بن الحجاج هذا يروي محمدبن قارون الذي يرى في المنام كأن الحسين بن الحجاج مر وانا مثلاً باعتبار لا احبه فسمعت الزهراء(ع) اشارت اليه وهي تنادي احبوا هذا فأن من لايحبه ليس من شيعتنا. يقول استيقظت من المنام وتحول ذهني تماماً واصبحت من المتعلقين بالحسين بن الحجاج النيلي.
طبعاً الحسين بن الحجاج النيلي لما اقول بأنه من الصادقين يعني مصداق تام من المصاديق التامة بولاءه لاهل البيت. الرجل هذا عشرين سنة كان متخفياً مهدداً على حياته مطارد لان الشعراء باعوا ذممهم واصبحوا ألسنة للبلاط الاموي وللبلاط العباسي وصاروا يسخرون وجودهم وخواطرهم ومواهبهم للطغاة للجبابرة يمدحون بموجب مشتهياتهم ويذمون بموجب مشتهياتهم الا ما ندر هناك عينات افلتت بموجب ما تحمله من ولاء وما تحمله من صرامة وما تحمله من جدية واحترامها لمبادئها وتقديسها لعقائدها وطبعاً هذا كلفهم ثمن باهض، كلفهم الصعود على المشانق، كلفهم الاغتراب، كلفهم التنكر بملابسهم الابتعاد عن اهلهم وذويهم.
في ضمن هذا الفيلق او المجموعة الحسين بن الحجاج النيلي مطارد يعيش بين الادغال لكنه كان لا يتوانى عن الادلاء بكلمة الحق ومثلاً من الرموز التي تدل على هذا التصور عند هذا الرجل ان هذا لما توفي رضوان الله عليه فتحوا وصيته في اغراضه واذا كاتب اني احب ان ادفن في حرم الامام الكاظم وعند رجل الامام الكاظم. انظر التأكيد والملاحظة احب ان ادفن عند رجلي الامام الكاظم وتكتب على قبري هذه الآية: «وكلبهم باسط ذراعيه بالوسيط» لماذا يشبه نفسه بكلب اهل الكهف يعني كيف ان كلب اهل الكهف نجى باتباعه لاهل الكهف انا انجو باتباعي لاهل البيت في الواقع هؤلاء صدقوا بما عاهدوا الله عليه وعرفوا قيمة اهل البيت وثمنوا اهل البيت بالصورة الطبيعية التي رسمها الله لهم حباهم الله بها فيشبه نفسه بأنه كلب اهل البيت كما ان كلب اهل الكهف نجا باتباعه لاهل الكهف انا انجو باتباعي لاهل البيت.
توفي رضوان الله عليه في 27 جمادي الثاني عام 391 هجرية والآن قبره موجود في حرم الامام الكاظم والآية موجودة الى حين مغادرتي للعراق كان هذا موجود ولا اعرف هل تغير او لا ولما توفي رضوان الله عليه رثاه الشريف الرضي السيد الرضي رضوان الله عليه رثاه بهذه الابيات:
نعوه على حسن ظني به
فلله ماذا نعى الناعيان
رضيع ولاء له شعبة من
القلب مثل رضيع اللبان
وما كنت احسب ان الزمان
يفل مضارب ذاك اللسان
اللسان الصادع بالحق في الواقع سيف مشهود على الطغاة على الجبابرة:
وما كنت احسب ان الزمان
يفل مضارب ذاك اللسان
ليبكي الزمان طويلاً عليك
فقد كنت خفة روح الزمان
هذا رثاء الشريف الرضي لهذا الشاعر البطل وطبعاً كانت المراهنة من البلاط الحاكم آنذاك والترغيب ووسائل التشويق لم تبق وسيلة من الاغراءات الا وعرضت على الحسين بن الحجاج بأن يصير عنده تخلي عن الدفاع عن اهل البيت الا انه صمد امام كل ذلك ثم وصلت المرحلة الى التهديد وصبر وصمد حتى مات وهو على هذا الموقف من اهل البيت(ع). تغمده الله برحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******