ويأتي تصاعد التوترات بين القوتين الغربيتين الكبيرتين إلى إقرار "قانون خفض التضخم" في الولايات المتحدة في الصيف. ويعد هذا القانون أكبر استثمار تم إقراره في مجال مكافحة تغير المناخ على الإطلاق، إذ يرصد 370 مليار دولار لبناء دواليب الرياح والألواح الشمسية والسيارات الكهربائية.
ومن التدابير التي استقطبت الانتقادات: خفض ضريبي يصل إلى 7500 دولار مخصص لشراء سيارة كهربائية من مصنع في أميركا الشمالية مع بطارية محلية الصنع، وبالتالي استبعاد السيارات المُصنَّعة في الاتحاد الأوروبي.
وتندّد أوروبا بمساعدات استثنائية مناقضة لأنظمة التجارة العالمية. ويزداد توجّس الدول الأوروبية إزاء هذا الموضوع من جراء تزايد خطر دخول القارة في ركود العام المقبل بسبب العواقب الاقتصادية للحرب الدائرة في أوكرانيا. وتسجّل أسعار الطاقة ارتفاعا ما يُضعّف العديد من الشركات.
وترزح الشركات الأوروبية تحت وطأة ارتفاع أسعار الطاقة التي تؤثر عليها بشكل أكبر مقارنة بمنافستها الأميركية. وآلاف الوظائف على المحك.
وعشية اجتماع مع نظرائه الأوروبيين للبحث في المسألة، قال وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير "ننتظر من المفوضيّة الأوروبيّة اقتراحات صارمة ومتناسبة" ردا على هذه السياسة الأميركية.
وشدّد وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر على أن"المسار الواجب اتّباعه هو السعي للحوار مع الإدارة الأميركية بغية إيجاد حلول مشتركة".
وتابع "لست واثقا من أن الطرف الأميركي يدرك تماماً حجم هواجسنا"، مشدداً على أنه يريد "بذل كل الجهود لتجنب حرب تجارية".
وخلال مقابلة أجرتها معه قناة "بي.اف.ام بيزنس" التلفزيونية قال المفوّض الأوروبي المكلّف السوق الداخلية تييري بروتون "سننظر بالطبع في تدابير انتقامية"، مشيراً إلى إمكان اللجوء إلى " منظمة التجارة العالمية" لتقديم الحجج الأوروبية إذا أصرت واشنطن على تجاهل انتقادات الاتحاد الأوروبي.
من جهته، قال المفوض الأوروبي للتجارة فلاديس دومبروفسكيس "في الوقت الراهن، نركّز جهودنا على فرق العمل وعلى الحلول التي يمكن التوصل إليها في هذا الإطار قبل الخوض في خيارات أخرى".
وفي الأسابيع الأخيرة، تم التطرّق صراحة إلى خطر اندلاع "حرب تجارية" بين المنطقتين الحليفتين.
واستخدم وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير العبارة خلال زيارة أجراها إلى برلين في تشرين الأول/أكتوبر، داعياً إلى تجنّب حرب كهذه، كما تطرّق المستشار الألماني أولاف شولتس إلى خطر اندلاع "حرب جمركية كبرى".
وليست الحرب التجارية أمرا مُستَجدّاً في العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقد اضطرت الجهتان إلى تسوية خلافات كثيرة في السنوات الأخيرة، من بينها المواجهة بين العملاق الأوروبي للطائرات "إيرباص" ومنافسه الأميركي "بو.ينغ"، والخلاف تمحور في هذا النزاع أيضاً حول الإعانات الحكومية. كما وفرض إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رسوما جمركية إضافية على الصلب والألومنيوم.
وتطرّقت إلفير فابري، خبيرة الشؤون الجيوسياسية في مجال التجارة في "معهد جاك ديلور الأوروبي"، إلى "تدابير ذات طابع بالغ الهجومية" اتّخذتها واشنطن في حين أن بواعث التوترات التاريخية كانت بالكاد قد هدأت.
سياسياً، ترى فابري في تدابير إدارة بايدن "أجندة داخلية لحماية المصالح الأميركية" أكثر منها "حرباً جمركية معلنة" على غرار ما كانت عليه الأمور في عهد ترامب.
وتضيف "على أي حال ليس هناك لدى الأوروبيين ترف إضاعة الوقت، فنحن على مسافة أكثر بقليل من ثلاثة أشهر من فرضها (التدابير) وما من مؤشرات مشجّعة ترد من الولايات المتحدة تدل على التزام أبعد من الإيضاحات الودية".
وأمس قال لومير في مقابلة أجرتها معه أربع صحف أوروبية "تراوح قيمة الإعانات التي تقدّمها إدارة بايدن بين أربعة وعشرة أضعاف المبلغ الأقصى الذي تسمح بتقديمه المفوضيّة الأوروبيّة"، مشيرا إلى أن هذا الأمر يستدعي "ردا منسّقا وموحّداً وقويّاً". وشدّد على ان "استثمارات بعشرة مليارات وآلاف الوظائف الصناعية" على المحك.