وفي هذه الجوهرة العَلَوِيَّة الكريمة يكشف الإمام عَلِيّ (ع) عن الآثار النفسيَّة الخطيرة التي يُخَلِّفها الحسَدُ في نفسِ الحاسد، وما يصاحب ذلك من آلام ومتاعب وقلق واضطراب وحُزن وكَمَدٍ وهمٍّ وغَمٍّ، وهو وبالٌ على صاحبه في الدنيا وفي الآخرة، ولهذا السبب فإن الحسد من أخطر الأمراض النفسية التي تصيب قلب الإنسان في مقتل، وسببه عدم الرِّضا والقناعة بما قسم الله عزَّ وجَلَّ، وإن أضرار الحسد على الحاسد لا تقتصر على الضرر النفسي الهائل الذي سنركز الحديث عنه، بل تتوسَّع لتطال دينه وآخرته.
أما أضراره على نفس الحاسد: فيكفي للوقوف عليها أن نقوم بتفكيك الموقف النفسي الذي يعيشه الحاسد فنجده مركَّباً تركيباً معقَّداً، حيث يتكون من العناصر السلبية التالية: الخوف، القلق، التوتُّر، الهياج النفسي، الغيظ، الحقد، إرادة الانتقام، تمني زوال نعمة الغير، الغضب الشديد من توالي نعم الله على الغير، تمني امتلاك شيء ليس من حقِّهِ، بل ربما يَجِنُّ ويأخذه الخَبالُ حَسَداً لنعمةٍ عند غيره، وهذه الأعراض لا تنفَكُّ عن الحاسد بحال من الأحوال، ولا يرتاح منها، لأنها تصاحبه ما دام حسوداً، إلا أن يجاهد نفسه ويُرَوِّضها حتى يبرأ من تلك الصفة الأخلاقية الذميمة.
وقد أفاد المتخصِّصون أن الحسد شعور ينبع من داخل الحاسد نفسه، وليس له مُسَبِّبٌ من خارجه، وذلك يعني أن الحسد عبارة عن شُحناتٍ مغناطيسية مُرَكَّزةٍ تظهر على شكل خوف وتوتُّرٍ وما سبقت الإشارة إليه، فإذا لم يُفَرِّغها الحاسد في الشخص الذي يستهدفه بحسده، فإنها ستضطرم في قلبه كاضطرام النار في الهشيم، وتستعر سعار الحيوان الذي أُصيبَ بداءِ الكَلبِ، فتحرق قلبه، وتُؤَرِّقُ مضجعه، حتى يصاب بأمراض بدنية يصعب علاجها، لأن منشأها نفسي وما يكون منشؤه نفسياً يحتاج إلى علاج نفسي، ولما كان الحاسد غافلاً عن ذلك، أو لا يريد أن يعالجَه، فإن أمراضه البدنية ستطول وتزيد حتى تؤدّي به إلى الموت، ولكنه إن مات فلن يموت موتاً طبيعياً بل يموت من الكَمَد والغَيظ لفوات مرغوبه، وبهذا يتبين أن الحسد يقتل صاحبه، ولهذا قال الإمام أمير المؤمنين (ع): "للهِ دَرُّ الحَسَدِ ما أَعْدَلَهُ، بَدأَ بِصاحِبِهِ فَقَتَلَهُ"*.
*ويتابع الإمام (ع) في توصيف الآثار النفسية القاتلة للحسد فيقول: "الحَسَدُ حَبْسُ الرُّوحِ". ويقول: "الحَسَدُ أَحَدُ العَذابَيْنِ"*. ويقول: *"مَنْ وَلِعَ بِالحَسَدِ وَلِعَ بِهِ الشُّؤْمُ"*. ويقول: *"الحَسَدُ مَطِيَّةُ التَّعَبِ"*. ويقول: *"ما رَأَيْتُ ظالِماً أشْبَه بِمَظلومٍ مِنَ الحاسِدِ، نَفَسٌ دائِمٌ، وقَلبٌ هائِمٌ، وحُزنٌ لازِمٌ"*. ويقول: *"الحَسَدُ لا يَجْلِبُ إِلّا مَضَرَّةً وغَيظاً يُوهِنُ قَلبَكَ ويُمْرِضُ جِسْمَكَ"*.
*أما أضراره على دين الحاسد: فلأنَّ الحاسد يسخط على الله تعالى (نعوذ بالله من ذلك) ويتَّهِمُ الله في عدله وإحسانه وكرمه، إنه يغضب من الله وعليه، بل يُضادُّه، فالله يريد أن يُنعِم عليه وعلى غيره وهو يريد أن تكون كل النعم له وحده، وكما يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): "الحَسُودُ غَضْبانٌ على القَدَرِ"*. فالحَسَدَ يُضرمُ النار في دين الحاسد حتى يُحيلُه رماداً تذروه رياح السُّخط البغضاء.
فأما أضراره على آخرة الحاسد، فيكفي أن نقرأ ما جاء عن النبي الأكرم (ص): "الحَسَدُ يَأْكُلُ الحَسَناتِ كَما تَأْكُلُ النّارُ الحَطَبَ".