هذا الضريح المبارك يتلألأ في قلب مدينة شيراز بأنواره القدسية وعمارته وزخارفه الجميلة التي تعكس فن العمارة الإسلامي الإيراني الأصيل حيث تقصده في كل عام أعداد هائلة من الزائرين من شتى أنحاء إيران والعالم.
فن العمارة لهذا الضريح المقدس فريد من نوعه إذ يعكس أجمل معالم الطراز الصفوي والزندي والقاجاري، وكل زائر حينما يتأمل فيه يدرك عظمة جهود الخبراء والمتخصصين المعماريين الذين جادت أيديهم بزخارفه ونمط بنائه وتكتنفه روحانية إسلامية تسمو بروحه إلى أعلا عليين.
إضافة إلى كون هذا الضريح المبارك مركزاً دينياً وتحفة فنية، فهو أثر تأريخي عريق حيث يضرب بجذوره إلى قبل ستة قرون من الزمن حينما شيدته سلسلة حكام الأتابك في شيراز وفي بادئ الأمر لم تكن مساحته بهذا الحجم الكبير لكن السيدة تاشي خاتون والدة الحاكم أبي إسحاق إينجو أمرت بتوسيع مساحته وتطوير بنائه في عهد سلسلة حكام آل المظفر.
وأما المبنى الحالي فقد شيد قبل ۵۰ سنة تقريباً حيث قامت السلطات آنذاك بتخريب السوق القديم بين ضريح السيد أحمد بن موسى الكاظم (ع) وضريح السيد محمدي لتبلغ مساحة حرم السيد أحمد الإجمالية ۲۰۰۰ متر مربع وحرم السيد محمدي ۱۰۰۰ متر مربع، وهما مشيدان في طابقين بارتفاع ۱۳ م وفي الطابق الثاني توجد العديد من الغرف.
تحيط بجدران الحرم مختلف أنواع النقوش والزخارف بالآجر والفسيفساء بألوان زاهية في غاية الروعة وفي معظمها دونت آيات قرآنية وعبارات مقدسة، وأما المداخل فيبلغ عددها خمسة منتشرة في جميع جهاته.
السادس من ذي القعدة يوم ذكرى تخليد شاه جراغ
ويوم السادس من ذي القعدة يعتبر في التقويم الوطني الايراني يوم ذكرى تخليد سليل أهل البيت أحمد بن موسى بن جعفر (ع) (شاه جراغ) من مشاهير الصادقين والاتقياء المشهورين.
السيد احمد هو أحد أبناء الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، وقد قُتل شهيداً بشيراز في إيران حيث مدفنه الآن وهو في طريقه الى خراسان في زيارة أخيه الإمام علي بن موسى الرضا (ع).
تاريخ ميلاده غير معروف، لكن جُعل اليوم السادس من شهر ذي القعدة باسمه تكريماً له.
وكان مقرباً من الامام الكاظم (ع) لدرجة كان يُظن أنه الامام بعد أبيه (ع)، وكان عالما فاضلاً يهتم بكتابة القرآن الكريم حيث كان صاحب خط جميل، وكان يأخذ الأجرة على ذلك فيشتري بثمن عمله العبيد ويعتقهم لوجه الله، ولا شك أنه كان يقوم بتربيتهم وتهذيبهم ثم يعتقهم ليكونوا دعاة إلى الإسلام، كما كان يفعل جده الإمام علي بن الحسين عليه السلام.
السيد احمد يعرف بشاه جراغ اي الملك المضيء او المنير ويسمى ايضا بالأمير، هو من اولاد الامام الكاظم (ع) بعد اخيه الامام الرضا (ع) وامه من السيدات الورعات وكانت موضع ثقة الامام الكاظم (ع) بحيث ان الامام الكاظم (ع) حينما رحل الى بغداد اودعها مواريث ووثائق الامامة وقال لها من جاءك وطلب منك هذه بأسمائها وفي اي وقت فأعلمي اني قد استشهدت وان من يطلبها منك هو الامام بعدي والمفترض الطاعة من بعدي عليك وعلى سائر الناس وامر الامام ابنه الرضا بحفظ الدار، بعد استشهاد الامام موسى بن جعفر جاءها الامام الرضا (ع) وطالبها بالامانات، فسألته: هل استشهد والدك؟
قال: بلى، والان فرغت من دفنه، فدفعت اليه ذلك وبايعته بالامامة واقامت الحداد والعزاء على فقد الامام الكاظم (ع).
واحمد شاه جراغ كان موضع حفاوة ابيه وله منزلة سامية عند والده الامام الكاظم (ع) فهو يحبه حبا شديدا. قال المفيد في الارشاد (كان أحمد بن موسى كريماً جليلاً ورعاً، وكان أبو الحسن موسى يحبه ويقدمه وهب له ضيعته المعروفة باليسير) ويقول إسماعيل أحد أولاد الإمام الكاظم (ع): (خرج أبي بولده إلى بعض أمواله وكان مع أحمد عشرون رجلاً من خدم أبي وحشمه، إن قام أحمد قاموا معه وإن جلس جلسوا معه، وأبي مع ذلك يرعاه ببصره ما يغفل عنه (وكان احمد من عيون الصادقين الصالحين وتقول الروايات انه اعتق الف مملوك من ماله الخاص متقرباً الى الله عزوجل بذلك.
ومن الدلائل على تقواه انه بعد وفاة الامام الكاظم (ع) اجتمع الناس على باب داره واخذوا ينادون بإمامته ومبايعته الا انه صعد المنبر وخطب خطبة بليغة وبمنتهى الفصاحة وخاطب الناس قائلاً: «ايها الناس كما امكم جميعاً في بيعتي فأني في بيعة اخي علي بن موسى الرضا، واعلموا انه الامام والخليفة بعد ابي والفرض عليّ وعليكم من الله ورسوله، ثم خرج والناس خلفه وجاؤوا لبيعة الامام الرضا واقروا بأمامته.
وهو احد الذين كتبوا القرآن بخطه وكانت النسخة موجودة لكنها غابت في السنين الاخيرة بسبب غارات اعداء اهل البيت على مراكز تراث الائمة.
وقد كان السيد احمد ذراعاً نشطاً للقائد المحنك ابي السرايا وله دور كبير في مناصرته لنصرة المستضعفين والمضطهدين.
واستشهد مقتولاً بعد استشهاد اخيه الامام الرضا (ع) وقضية وفاته هي ان السيد الامير احمد شاه جراغ حينما بلغه غدر المأمون لاخيه الامام الرضا (ع) كان في بغداد فحزن على اخيه حزناً شديداً وخرج للطلب بثأر اخيه وانضم اليه ثلاثة الاف من احفاد واتباع اهل البيت لمواجهة المأمون الاّ انهم وصلوا مدينة قم فواجههم عامل المأمون العباسي وقتل جماعة منهم ثم رحل احمد بن موسى الى الري مع جماعته فحاربه عامل المأمون هناك وبعد ذلك اتجهوا الى مدينة اسفراين وهناك قابلهم اتباع المأمون واخيراً انتقلوا الى مدينة شيراز وهناك بقي احمد شاه جراغ على مجاهرته في الثورة على العباسيين حتى استشهد هناك على يد طاغية اسمه قتلرخان وهو من اتباع العباسيين، وقد حارب السيد احمد لفترة ودفن السيد احمد شاه جراغ في شيراز وبقي قبره مخفياً لفترة طويلة من السنين الا انه وفي عهد الامير مقرب الدين مسعود بن بدر اكتشف قبره بطريق الصدفة ووجد فيه صخرة تبين اسمه وكان جسده طرياً على حالته طوال هذه السنين وقيل وجدوا في قبره خاتمه منقوش عليه «العزة لله احمد بن موسى بن جعفر».
وبنى عليه مقرب الدين بناءً واجريت عليه توسيعات وصيانة حتى جاءت اخيراً احدى النساء الصالحات وتسمى الخاتون تاشي وكانت معروفة بالنسك والعبادة ومحبة اهل البيت فبنت المرقد بطراز جديد وشيدت عليه القبة الموجودة الان وجعلت مرقدها بجواره وبنت بجنب المرقد مدرسة واسعة لطلبة العلوم الدينية وذلك عام ۷۵۰ ﻫ وجعلت قرية (ميمند) الواقعة على بعد ما يقرب من ثمانين كيلومترا عن مدينة شيراز وقفا عليه، وأمرت بأن يصرف واردها على تلك البقعة المباركة، وهي باقية إلى يومنا هذا، حيث يعمل المتولون لها على قرار الوقف وينفقون واردها في شؤونه، ومحصولها حتى اليوم: ماء ورد معروف بجودته وطيبه في العالم عندما تسافر إلى ميمند سترى توزيع ماء الورد هناك بالمجان.