الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
حياة اهل البيت(ع) وسيرتهم مليئة بالدروس والمناهج والبرامج الانسانية العظيمة، ان اهل البيت(ع) الذين اوصانا رب العالمين بمتابعتهم والسير وراءهم والعيش في ظلال هدايتهم بقوله "يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" كانوا مثلاً اعلى في الاخلاق وفي السلوك الانساني والادب الرفيع. عطاءهم ومنعهم واخذهم ومشيهم وكل حركاتهم وسكناتهم كانت درساً، كانت خلقاً عظيماً وادباً رفيعاً. ها نحن امام مجموعة كبيرة من القصص ومن المواقف العظيمة في هذا السياق.
جاء في التاريخ ان اعرابياً جاء الى الامام الحسين(ع) وقال له يابن رسول الله قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن اداءه. فهناك شخص قتل شخصاً عن غير عمد وانا ضمنت ديته ولكنني عجزت الآن عن اداء تلك الدية واصحابها يطالبونني فقلت في نفسي أسأل اكرم الناس وما رأيت اكرم من اهل بيت رسول الله(ص)، فقال الحسين(ع) يا اخ العرب اسئلك عن ثلاث مسائل فان اجبت عن واحدة اعطيتك ثلث المال وان اجبت عن اثنتين اعطيتك ثلثي المال وان اجبت عن الكل اعطيتك الكل.
فقال ذلك الاعرابي يابن رسول الله أمثلك يسأل عن مثلي من انا حتى تسألني انا لست اهلاً لان تكون انت السائل وانا المجيب على اسئلتك وانت من اهل العلم والشرف فقال الامام الحسين بلى سمعت جدي رسول الله(ص) يقول: المعروف بقدر المعرفة فقال الاعرابي سل عما بدا لك، لا بأس اسئل ما تريد فان اجبت والا تعلمت منك يابن رسول الله ولاقوة الا بالله، وقال له الامام الحسين اي الاعمال افضل فقال الاعرابي الايمان بالله هذا هو افضل الاعمال فقال الامام الحسين فما النجاة من الهلكة ما الطريق وما هي الوسيلة التي تمنعنا وتحفظنا وتصوننا من الهلاك أليس الله سبحانه وتعالى قال والعصر ان الانسان لفي خسر فقال الاعرابي الثقة بالله لو ان الانسان وثق بالله واعتمد عليه وتوكل عليه فان الله لا يخيب ظنه فقال الحسين(ع) فما يزين الرجل ما هي زينة الرجل هل الثياب هل كما يفعل البعض الذهب، خاتم الذهب او قلادة ذهبية او سوار او شيء من هذا القبيل او ثياب فخمة ما هي زينة الرجل فقال الاعرابي: علم مع حلم والعلم معلوم انه شيء يزين الرجل لكن متى لما كان مصحوباً ومقروناً بالحلم.
فقال الامام الحسين(ع) فان اخطئه ذلك ولم يستطع ان يحصل على حلم فقط حصل له علم فأخطأ الحلم ماذا يفعل، قال او اخطأ العلم والحلم معاً. قال ذلك الاعرابي مال معه مرودة، ان يكون الانسان ذا ثروة ويكون فيه مروءة وفتوة يعطي من هذا المال للمحتاجين لاقرباءه المحتاجين ولمن يحتاج الى مساعدة فقال الامام فان اخطأه ذلك لا يحصل لا على مال ولا على مروءة مع مال.
قال فقر معه صبر لان الفقر قد يتسبب ان يخرج الانسان من نطاق الدين اذا هو لم يصبر اذا هو لم يصمد امام هذه الحالة. فقال الامام الحسين فان اخطاءه ذلك اذا لم يكن مع فقره صبر ماذا يفعل، قال فصاعقة تنـزل من السماء وتحرقه فانه اهل لذلك. فضحك الامام الحسين ورمى بصرة فيها الف دينار اليه واعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مائة درهم، مبلغ كبير وقال يا اعرابي اعطي الذهب الى غرماءك وديانك واصرف الخاتم في نفقتك الشخصية. فاخذ الاعرابي ذلك المبلغ وقال الله اعلم حيث يجعل رسالته.
هذه القصة الجميلة والتي ربما تكررت في مناسبات على اسماع السامعين ولكنها قصة عطرة كلما تكرر وتتكرر تزداد تضوعاً وعطراً ويشم منها الانسان طيب الخلق الرفيع والاحساس الاجتماعي.
هذه القصة تشتمل على مجموعة من الدروس اما الدرس الاول فان الائمة (ع) ما كانوا يحبون التكفف باليد والاستعطاء من طريق السؤال من الناس فهذه ظاهرة غير صحيحة. الانسان يضيع كرامته ويضيع شرفه ويضيع منـزلته اذا لا يعمل بل يكون عالة على الناس، يستجدي باليد. ففي الحديث ان الذي يستجدي باليد يأتي يوم القيامة وليس على وجهه لحم يأتي كريه المنظر لانه اباد شرفه ومكانته بهذا العمل الرخيص. الانسان قيمته بان يعمل ويكد ويكدح وعن طريق كده وكدحه يحصل على رزقه.
ثم الدرس الآخر الذي يشتمل عليه هذا الخبر وتشتمل عليه هذه القصة، ان اهل البيت(ع) كانوا يحبو العلم والمعرفة وكانوا يريدون ترويج العلم والمعرفة بأية مناسبة وفي اي وقت امكن ذلك. ولذلك نجد ان الامام(ع) يقول انا مستعد لمساعدتك لكن بشرط ان تأتي بشيء او آثارة من العلم، ان اجد فيك معرفة وحكمة حتي اعطيك بمقدار علمك وبمقدار معرفتك.
بالاضافة الى ذلك نجد في هذه القصة كيف الامام يثمن ويقيم الحكمة والعلم الذي صدر من فم هذا الرجل فلم يكتفي بأعطاءه دينه الذي ركبه نتيجة ضمانه للدية بل اعطاه شيئاً اضافياً وهو خاتمه الشريف. كما نجد والده الامام علي يعطي خاتمه، نجد الحسين يعطي خاتمه لذلك الاعرابي ويقول هذا اجعله لنفقتك الشخصية هذا هو تكريم للعلم وتثمين للمعرفة وهو دليل على ان الاسلام دين العلم، دين المعرفة كما انه في نفس الوقت توصية عملية لكافة المسلمين ولنا في هذا العصر لان نسعى وراء المعرفة ونحاول تحصيلهما.
على كل حال هذه القصة تدل على هذه الامور وفي خاتمة القصة هناك شيء جميل اقربه ذلك الاعرابي لما وجد هذا الخلق الرفيع قال: "الله اعلم حيث يجعل رسالته". يعني انما الامام يستحقها من كان بهذه المثابة من الكرم وفي هذه الخصوصية من الاخلاق والوعي والحب للعلم والتقييم لاصحاب العلم والتثمين للثقافة. نعم مثل هؤلاء لا الجهلة لا الظلمة لا الجائرين يستحقون الامامة والزعامة انما الذي يكون بهذا الوصف وهذه الصفات. والله سبحانه وتعالى اختار هؤلاء اي اعني اهل البيت(ع) فانما اختارهم على علم منه ومعرفته باهليتهم لهذا المقام وباستحقاقهم لهذه المنـزلة.
"الله اعلم حيث يجعل رسالته" نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا لاتباع آثار اهل البيت واقتفاءها والسير وراءهم لنكون من الناجين ان شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******