الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء وخاتم المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين.
نعيش ايها الاخوة وايتها الاخوات هذه الايام اجواء وفاة رسول الله(ص) والتحاقه بربه. نعيش اجواء رحيل من وصفه الله بالرحمة ووصفه بالهدى فهو نبي الهدى ونبي الرحمة الانسانية نبي الخلق الرفيع نبي الكرم نبي التواضع نبي الوفاء. نعيش هذه الايام هذه الاجواء الحزينة الثقيله على قلوبنا بسبب فقدان هذا المعلم الكبير هذا الانسان العظيم الذي لم يشهد التاريخ له مثيلاً قط حتى بين الانبياء، فقد فاقهم خلقاً وخلقاً، اعني رسول الله خاتم الانبياء(ص).
لقد كانت حياة رسول الله كلها هدى كل حركاته وسكناته وكل لحظاته كانت نور وهداية للبشرية. مواقفه، اقواله، لحظاته ونظراته كانت كلها تعليماً للناس. وما اسعد المسلمين وهم يتبعون مثل هذا الانسان العظيم، انهم الامة الكبرى انهم الامة التي حضت وحضيت باعظم سعادة لانها اتبعت وتتبع اعظم الانبياء واشرف البشر وافضل من خلقه الله سبحانه وتعالى. فينبغي للمسلمين ان يسترجعوا ويتذكروا سلوك رسول الله(ص) خصوصاً في هذا العصر الذي يعاني من ازمة الاخلاق.
هذا العصر الذي يعاني من الجفاء في الخلق، من الظلم في السلوك ومن الخشونة والعنف في المواقف. هذا العصر الذي احوج ما يكون اليه الانسان الى معلم كرسول الله(ص). وانا عزيزي اغتنم هذه الفرصة لاقف معك على بعض القصص التي انبتها التاريخ وما لم يتبت فهو الاكثر.
فان كل دقيقة في حياة رسول الله ومن دون مبالغة ومن دون مجازفة كل حياة رسول الله بكل دقائقها وكل ساعاتها كانت مليئة بهذه القصص. عن جابربن عبدالله الانصاري قال مر رسول الله(ص) الى السوق واقبل يريد منطقة معينة كانت تلقى فيها القاذورات والناس يحوطونه، فمر بجدي متعفن على مزبلة وهو ميت فاخذ بأذن ذلك الجدي فقال ايكم يحب ان يكون هذا له بدرهم.
قالوا ما نحب انه لنا بشيء وما نصنع به يا رسول الله انه حيوان نتن ميت تزكم رائحته الانوف ما نصنع به قال أتحبون انه لكم مجاناً قالوا حتى مجاناً لا نحب فسألهم هذا السؤال مرات واجابوا النبي بنفس الجواب ايضاً، فقالوا والله يارسول الله لوكان حياًكان عيباً لان الجدي لاشيء فيه وهو طفل الخروف وصغير الخروف الذي ولد لتوه فكيف وهو ميت. فقال رسول الله(ص) ان الدنيا على الله اهون من هذا عليكم فلماذا انتم تتقاتلون على هذه الدنيا ولما يحارب بعضكم بعضاً على هذه الدنيا اذا كانت هذه قيمة الدنيا.
وانا اقول مكملاً لهذا البيان الشريف ان الدنيا انما سميت دنيا وطبعاً هذا الكلام هو ايضاً من الحديث اقول ان الدنيا انما سميت دنيا لدنائتها ولحقارة قيمتها. دخل شخص على رسول الله(ص) والنبي جالس على حصير، حيكه من القصب او شيء من هذا القبيل وقد اثر في جسم رسول الله.
ترك آثاراً في جسم رسول الله لم يكن هناك وسادة او فراش من قطن ومن حرير او ما شاكل ذلك انما هو حصير خشن ولهذا اثر في جسم رسول الله ووسادة ليف قد اثرت في خده الشريف. فجعل ذلك الرجل بمسح وجه رسول الله ويقول ما رضي بهذا كسرى ولاقيصر انهم ينامون على الحصير والديباج وانت على هذا الحصير يا رسول الله. فقال النبي(ص) رداً علىذلك الرجل الذي قال تلك المقالة قال لانا خير منهما والله، انا اكرم منهما والله ما انا والدنيا انما مثل الدنيا كمثل راكب مر على شجرة ولها ظل ولها فيء فأستظل تحتها فلما ان مال الظل عنها وراح وزال ذلك الفيء ارتحل وذهب وترك الشجرة. يعني الدنيا مهما طالت فهي في حساب الزمن العظيم كزمن قصير مثل سويعات يحدث فيها ظل بسبب الشمس ثم يزول الظل فلا يغتر الانسان بها ولاتغتروا بها.
اجل هكذا كان رسول الله(ص) يهدي ويرشد ويعلم وعن الامام الباقر(ع) قال، قال رسول الله(ص) جاءني ملك فقال يا محمد ربك يقرأك السلام ويقول لك ان شئت جعلت لك بطحاء مكة ذهباً اذا تريد كل هذه الصحراء حول مكة اجعلها لك ذهباً وفيها من السعة مالا يعلمها الا الله، فرفع النبي رأسه الى السماء وقال يا رب اشبع يوماً فأحمدك واجوع يوماً فأسألك.
ما اعظم هذه العظة يا اخواني، اشبع يوماً فأحمدك واجوع يوماً فأسألك. لو شبع الانسان كل حياته فانه سينسى الله سبحانه وتعالى وانه سيرى نفسه مستغنياً عن الحق تبارك وتعالى انظر هكذا كانت حياة رسول الله(ص) كلها عبرة وكلها عظة وكلها حكمة وكلها تعليم وكلها تربية. في التاريخ ان اعرابياً قدم الى المدينة وجاء عند رسول الله(ص) قال يا رسول الله تسابقني على الجمل بناقتك هذه، فسابقه رسول الله(ص) فسبقه الاعرابي، فقال رسول(ص) انكم رفعتموها الى هذه الناقة رفعتموها اي قدستموها ورفعتم درجتها فاحب الله ان يضعها، ان الجبال تطاولت لسفينة نوح(ع) وكان الجودي وهو جبل اشد تواضعاً فاختار الله بها، اي اختار الجودي لها قال ثم استوت على الجودي.
هكذا كان رسول الله يستفيد من كل مناسبة للهداية وللارشاد وللتعليم وللتوعية وللايقاظ، وقد كان رسول الله(ص) هداية حتى بعمله ليس فقط بيده ولسانه. يقول الصيقل راوياً عن الامام جعفر الصادق(ع) مرت برسول الله امرأة بذيئة والنبي يأكل وهو جالس على الارض متواضع فقالت يا محمد انك لتأكل اكل العبد وتجلس جلوسه، فقال النبي(ص) لها ويحك واي عبد اعبد مني فقالت تلك المرأة اذن يا رسول الله ناولني لقمة من طعامك وتقصد للتبرك فناولها رسول(ص) لقمة من طعامه فقالت لا والله الا من فيك يعني من تلك اللقمة التي انت واضعها في فيك، فاخرج النبي اللقمة من فمه الشريف فناولها فأكلتها فقال الامام الصادق(ع) فما اصابت تلك المرأة داء حتى فارقت الحياة المهم ان الامام(ع) اشار في هذه القصة عن تواضع رسول الله والى حلمه والى سماحته والى درسه العملي لنا وللمسلمين جميعاً كيف انه يسمع النقد وكيف يجيبه بتواضع، وكيف يلبي نداء امرأة قد اعتدت قبل قليل علىحرمة رسول الله(ص) وان لم يكن هذا اعتداءً صارخاً بل انما هو قلة ادب ابرزته اتجاه رسول الله، مع ذلك النبي الكريم نجده يتعامل معها معاملة كريمة ناشئة من النبل والسماحة والخلق الرفيع.
جعلنا الله من اتباع رسول الله في العمل وفي المواقف وفي السلوك لننجو بذلك في الآخرة كما سعدنا هنا بكوننا من اتباعه ومن السائرين خلفه والآخذين بأوامره. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******