الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين.
يقول الامام علي بن الحسين(ع) وهو احد الشخصيات الذين حضروا وقعة كربلا والذين شاهدوا ما حدث فيها من فجائع وبطولات ومن مصائب ومن مواقف عظيمة في نفس الوقت، يقول الامام علي بن الحسين: لما اشتد الامر بالحسين بن علي بن ابي طالب في يوم عاشوراء نظر اليه من كان معه فاذا هو بخلافهم، اي بعض من كان معه نظروا الى الامام فوجدوا حاله خلاف ما هم عليه فانهم كلما اشتد الامر تعسرت الوانهم وارتعدت فرائصهم ووجلت قلوبهم، بينما كان الامام الحسين(ع) وبعض من معه من خصائصهم تشرق الوانهم وتهدأ جوارحهم وتسكن نفوسهم، فقال بعضهم لبعض انظروا لا يبالي بالموت! فقال لهم الحسين(ع): صبراً بني الكرام فمالموت الا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء الى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة، فايكم يكره ان ينتقل من سجن الى قصر وما هو لاعدائكم الاكمن ينتقل من قصر الى سجن وعذاب، ان ابي حدثني عن رسول الله(ص) :"ان الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر والموت جسر هؤلاء الى جنانهم وجسر هؤلاء الى جحيمهم ما كذبت ولا كذبت".
هذا الحديث الشريف العظيم هذا الوصف الباهر الذي يصف به الامام علي بن الحسين السجاد والده الحسين يوم عاشوراء وبعض من كان معه من اصحابه وابناءه واخوانه يوحي ويلهمنا دروساً عديدة:
الدرس الاول هو الشجاعة فان المؤمن الواثق بالله وان المؤمن المتكل على الله، شجاع لا يرهب قوي لا يخاف بماذا يخاف المؤمن ولماذا يرهب الشخص الذي يتكل على الله سبحانه وتعالى، ان المؤمن لا يخاف الا الله ولا يخشى الا سخطه وعذابه كما ان المؤمن الذي يكون الله معه لايمكن ان يخاف احداً ولا يمكن ان يرهب شيئاً ولهذا فان المؤمن شجاع قوي وصامد وثابت.
قال رسول الله(ص): "من خاف الله اخاف الله منه كل شئ، ومن لم يخف الله اخافه الله من كل شئ" فالمؤمن الذي يتوكل على الله ويجد الله ناصراً ومعيناً وسنداً ووكيلاً وكفيلاً له لا يخاف ولا يرهب وهذا كان حال الحسين(ع) وحال ابناءه واخوته في كربلاء. فاننا نرى كيف ان الامام الحسين كان يخوض المعركة كالاسد وكان اعداءه من الظلمه ومن الكفرة يهربون ويتفرقون تفرق المعزى والغنم الخائفة الشاردة الهاربة من الاسد، وهكذا كان العباس(ع) اخوه وابنه علي الاكبر وكذا ابن اخيه القاسم الذين سطروا اكبر واعظم ملاحم البطولة والشجاعة في كربلاء وتمثلت شجاعتهم هذه في صمودهم وثباتهم امام ثلاثين الف تكالبوا واجتمعوا والمعسكر قليل العدد، قليل الامكانات مقطوع عنه الماء والمدد، ومع ذلك وقفوا امام ذلك المعسكر غير هيابين وغير خائفين ولا مرعوبين ولا مرهوبين وقاتلوا بعد ان بلغوا رسالاتهم، اي رسالات الله الى ذلك الجمع التائه الضال واتموا عليهم الحجة بالشعر والنثر بكلمات فصيحة وبليغة تخرج من قلب مطمئن، وتخرج من فؤاد قوي شجاع كما انهم حينما رأوا ذلك القوم يصر ويلج ويعاند قتلوا منهم مقتلة كبيرة والحقوهم بدار البوار والهلاك. اجل هذا هو شأن المؤمن المتكل على الله الواثق بالله وبمثوباته هذا اولاً.
اما الدرس الآخر الذي نتلقاه من هذه القصة ومن هذا الوصف العظيم الذي يصف به الامام السجاد والده الحسين وطائفة ممن كانوا معه في كربلاء حيث يقول: كان الحسين وبعض من معه من خصائصهم تشرق الوانهم وتهدأ جوارحهم وتسكن نفوسهم كلما اشتد الامر وكلما ابدى الحرب عن نواجزه وعن اسنانه فهذا المشهد وهذا الوصف العظيم يوقفنا على درس اخر، ان الذين يعمل في سبيل الله كلما قدم في سبيل الله قرباناً او كلما تحمل جرحاً فانه يشعر انه يقترب الى الله اكثر فاكثر فانه يكسب رضى الله ازيد فازيد، فلهذا يشرق لونه وتهدأ جوارحه وتسكن نفسه ولا يشعر ابداً بالخسار انما يشعر بالفلاح يرى انه يتقرب اكثر، فلهذا الامام الحسين حينما استشهد ولده الرضيع في حجره لما استسقى له الماء فرأى ولده مذبوحاً بسهم رماه به الطاغية الظالم حرمل بن اسد الكاهلي، قال وهو يخاطب الله تعالى: "انه فيك لقليل يا رب". او قال: "هوّن عليّ ما نزل بيّ انه بعين الله" فمادام بعين الله ومادام الله سبحانه وتعالى يرى تضحياته ويسجلها له ثواباً ودرجات، لذلك ينبغي ان لا يتأسف ولا يشعر بالخسار وان يشرق لونه اكثر فاكثر وتهدأ جوارحه وتسكن نفسه وهذا ما حدث للحسين(ع) وبعض من معه.
كما ان الدرس الاخر الذي نأخذه من هذا الحديث هو قول الامام الحسين(ع) هو: صبراً بني الكرام فمالموت الا قنطرة تعبر عنكم عن البؤس والضراء الى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة، اجل الموت بالنسبة للمؤمن نقلة من مكان ضيق بئيس سئ الى مكان وسيع فسيح والى نعمة وفخار وفلاح ولهذا لا يجوز للمؤمن ولا ينبغي له ان يرهب الموت او ان يحسبه نهاية لحياته بل هي بداية الى حياة كريمة عظيمة ومعبر الى الجنان الواسعة والنعيم الدائم ولهذا قال رسول الله(ص): "ان الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر والموت جسر هؤلاء وجسر المؤمن الى جنانهم وجسر هؤلاء اي الكفار الى جحيمهم".
هذه دروس عظيمة نأخذها من الحسين(ع) وحالاته التي وصفها لنا زين العابدين وسيد الساجدين(ع).
فسلام الله عليهم جميعا وجعلنا الله من التابعين لهم باحسان والاخذين منهم دروساً للدنيا والاخرة، واعظم الله لكم الاجر جميعاً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******