ولهذا، فإنَّ التأكيد على مناسبة ذكرى ميلاد رسول الله (ص)، يجعلنا نستحضر القاعدة الَّتي يمكن أن ترتكز عليها الوحدة الإسلاميَّة، فالمسلمون جميعاً يؤمنون بمحمَّد رسول الله الذي يحمل كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إلى العالم، ليكون هو الدّستور لكلِّ مسلم، وليكون رسول الله هو القائد الغائب الحاضر لكلِّ خطوات المسلمين، من خلال سنّته، ومن خلال أساليبه ومناهجه في الحياة.
ونحن نشعر بأنَّ مسألة الوحدة الإسلاميَّة هي خيار المسلمين، الذي ينبغي لكلِّ الفعاليات في العالَم الإسلاميّ أن تتوافر على دراسته بعمق، لتضع الركائز الثَّابتة التي يمكن لها أن تصنع منها قاعدة فكريَّة وسياسية للوحدة، وأنْ لا تكون مسألة الوحدة مسألة خطاب للانفعال أو للحماس أو للمجاملة وللاستهلاك الشعبي...
إنّنا نلاحظ أنَّ المسلمين في العصور الأولى، وحتّى في العصر الذي أعقب وفاة رسول الله (ص)، وقبل أنْ تتحوَّل الخلافة إلى ملك، كانوا يتحرّكون ويعيشون ويختلفون ولا يشعرون بوجود فواصل عميقة تجعل من كلِّ فريق مجتمعاً مغلقاً يختلف عن الفريق الآخر، بل إنَّنا نلاحظ أنَّ هناك ساحة إسلاميَّة مفتوحة لكلِّ المسلمين على كلِّ الخلافات التي تحصل بينهم، من دون أن يروا في هذه الخلافات أساساً لتكفير بعضهم بعضاً، أو لانعزال بعضهم عن بعض.
إنّنا نقول: إنَّ علينا أنْ نعود إلى الأصول، لنشعر بأنّنا نتقدّم خطوات كبيرة إلى الأمام. ويمكن أن نستفيد من طبيعة التطوّر في وسائل البحث وفي روحيّته، وفي ما يحمله العصر الحديث من الأجواء العلمية التي يمكن أن تساعدنا على أنْ نحرّك كلّ مشاكلنا الفكرية والفقهيّة في الهواء الطلق، لنستطيع محاكمتها من موقع العلم والإيمان، ولنخلص من خلال ذلك إلى أنَّ هناك واقعاً إسلاميَّاً موحّداً يحمل التنوُّع في فكره، والتنوُّع في نظرته إلى الإسلام، ولكنَّه لا يمسّ جوهر الإسلام في الأصل، ما يعني أنَّ هناك قاعدة يلتقي عليها المسلمون، وإن اختلفوا في بعض تفاصيلها.
ولهذا، نستطيع من خلال ذلك أن نواجه السؤال الذي يتردَّد دائماً عندما تطرح قضيَّة الإسلام كنظام للحياة: أيّ إسلام تريدون؟ عند ذلك نقول: إنّنا نريد الإسلام الموحّد في قواعده وفي كلِّ خطوطه العامَّة، والذي يتنوَّع من خلال طبيعة الحركة في الاجتهاد في تفاصيله الَّتي لن تؤثّر في القاعدة.
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
*من كتاب "أحاديث في قضايا الاختلاف والوحدة".