الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا الانبياء و المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
قال موسى بن جعفر(ع) وقد حضر فقير مؤمن عنده يسأله سد فاقته، فضحك الامام وتبسم في وجهه وقال: اسئلك مسألة فان اجبت بالصواب اعطيتك عشرة اضعاف ما طلبت، وان لم تصب في الجواب اعطيتك ما طلبت، وقد كان قد طلب ذلك الفقير المؤمن من الامام مئه درهم ليجعلها في بضاعة في تجارة يتعيش بها. فقال الرجل الفقير للامام(ع): سل فقال الامام موسى بن جعفر(ع): لو جعل اليك التمني لنفسك في الدنيا ماذا كنت تتمنى؟ لو قال لك تمنى ما كنت تتمنى؟ قال يا مولاي كنت اتمنى ان ارزق التقية في ديني وقضاء حقوق اخواني.
فقال الامام(ع): وما لك لم تسأل الولاية لنا اهل البيت؟ قال ذلك الرجل: ذلك قد اعطيته وهذا لم اعطه فانا اشكر على ما اعطيت واسأل ربي عزوجل ما منعت، فقال الامام لذلك الرجل الفقير المؤمن: احسنت اعطوه الفي درهم. ثم قال له اصرفها في حاجتك.
هذه القصة الرائعة وهذا الحوار العظيم الجميل الذي ينقله العلامة المجلسي رضوان الله عليه في موسوعة البحار المجلد خمسة وسبعين الصفحة اربعمئة وخمسة عشر تلهمنا دروساً، دروساً رائعة، وتعطينا ضوءاً للطريق. اما الدرس الاول فهو ان الامام بهذا الموقف عندما جاءه فقير وطلب منه مساعدة اراد ان يعرف ان هذا الرجل هل هو من المتسولين من الاشخاص الذين لا شخصية لهم وانما يعيشون عالة على الناس او ان له حاجة واقعية؟ لان الاسلام لا يرتضي التسول فهناك في الحديث ان من يستجدي الناس من غير حاجة فانه يأتي يوم القيامة وليس على وجهه لحم ويأتي بصورة منكرة، لانه اذهب ماء وجهه في الدنيا لان الانسان كل انسان له شخصية ويجب ان لا يريق هذه الشخصية على مذبح التسول والاستجداء لانه عمل رخيص لا يناسب الانسان وهمته وما اعطاه الله من المواهب. لهذا فان الاسلام لا يرتضى التسول ولا يرتضى الاستجداء من الاخرين اللهم الا اذا نزلت عليه داهية واضطر الى هذا العمل، فالامام بطرحه السؤال على ذلك الفقير الذي جاءه يطلب منه مساعدة ليسد به فاقته بهذا الموقف اراد ان يقول، اراد ان يعلمنا بان لا نكون مشجعين للتسول والاستجداء كلما جاءنا شخص متسول ومستجدي رأساً نقدم على تلبية طلبه. طبعاً الانسان اذا سأل ينبغي ان يعطي ولكن هذه اذا تحولت الى ظاهره اجتماعية وتلفت النظرهذا يكون قبيح في المجتمع الاسلامي ولابد ان يعالج مسألة التسول التي اصبحت اليوم ظاهرة ومشهود وملفتة للنظر هذا اولاً، فاراد الامام بطرحه سؤالاً علمياً على ذلك السائل اراد ان يعرف من اي نوع، هذا اولاً.
وثانياً اراد ان يعرف قوة شخصيته ومدى علمه ومدى فضله العلمي حتى يساعده متناسباً وموافقاً لتلك الشخصية والى تلك المنزلة والدرجة من الشخصية لان على كل حال لكل انسان شخصيته ويجب ان يعامل على اساس تلك الشخصية ويحترم، طبعاً هناك احترام يجب ان يشمل جميع الناس واحترام يجب ان يشمل المسلم خاصة واحترام يجب ان يختص به المؤمن بصورة اخص،لكن بين المؤمن والمؤمن درجات في الايمان في الفضل في التقوى. فينبغي ان يحترم كل شخص ويعامل بما هو من المنزلة الفكرية والعلمية حتى يكون ذلك مشجعاً للاخرين على سلوك طريق الفضل والعلم ومن دون تحقير الاخرين. طبعاً ولذلك الامام بطرحه لسؤال لذلك السائل الفقير كأنه اراد ان يعرف مدى فضله ولذلك قال: لو اصبت انا اعطيك عشرة اضعاف ما سألت.
هذه بعض الدروس وهي دروس مهمة في مجال الانفاق والمساعدة وطبعاً لاهل البيت(ع) برنامج عظيم ودقيق في مسألة الانفاق والبذل والتكرم على الاخرين وما شاكل ذلك. ثم ان الامام طرح عليه سؤالاً مهماً قال: لو ترك لك ايها الشخص ان تتمني في الدنيا شيئاً ماذا تحب ان تتمنى، ان تمني شئ مهم يدل على قوة الشخصية الانسانية فهناك من يتمنى ان يكون له مثلاً بيت ضغير، وهناك من يتمنى يكون له بيت كبير، هناك من يتمنى ان يملك اكثر من ذلك، هناك من يتمنى منصباً، وهناك من يتمنى منصباً اعظم ولكن اهميت الشخص واهتمامه ودرجة همته ولذلك الامام اراد ان يحثه ان يكون من اصحاب الهمم الكبيرة قال له: لو جعل لك التمنى لنفسك في الدنيا ماذا كنت تتمنى؟ فاجاب ذلك الرجل الفقير جواب في غاية الاهمية، فقال لو كان لي ان اتمنى لكنت اتمنى شيئين اولاً اتمنى ان ارزق التقية في ديني والمقصود كيف احافظ على ديني فاحافظ على معتقداتي، مسألة التقية في مذهب اهل البيت(ع) مسألة قرانية هناك ايات عديدة في القرآن تجوز وترخص للمسلم ان يتقي بمعنى انه اذا واجه شخصاً لا يوافقه في العقيدة لا يوافقه في الدين لا يوافقه في المذهب ان يتقي، اذا كان يخاف على نفسه من ذلك الشخص مرضاً او خطراً على نفسه او ماله او عرضه ضرراً معتداً به، وهذا ذو اصل قراني في قصة عمار بن ياسر وقصص اخرى مثل مؤمن آل فرعون وغيرهم نجدهم يتقون الكفرة يتقون الطواغيت ويكتمون معتقدهم حفاظاً على انفسهم على دينهم على مجموعتهم، وطبعاً هذه التقية وان كان في البداية تبدو انها رخصت في ما اذا واجه الانسان كافراً ولكن حيث ان ملاكها هو حفظ النفس حفظ المال حفظ العرض من خطر معتد به، لذلك جاز ان يتقي المسلم من مسلم اخر اذا كان يخاف منه الخطر وهذا مما صرح به بعض العلما السنة كما صرح به كل العلماء الشيعة. هناك كلام للامام الفخر الرازي في مفاتح الغيب في ذيل اية التقية يقول: اذا تشابهت حالة المسلمين فيما بينهم حالة المسلمين مع الكفار اي اذا تعرض المسلم لخطر من قبل اخيه المسلم الذي لايفهمه والذين لا يعتقد بمعتقده فانه يجوز ان يتقي كما يتقي من الكافر وهذا ليس عيباً في المسلم الذي يتقي، انما هو عين فيمن لا يسمح لاخيه المسلم بان يظهر عقائده ويبرهن عليها او على الاقل يفتح معه حواراً منطقياً، حواراً علمياً ولا يهدده ولا يفكره ولا يفسقه او يعرض حياته او ماله او عرضه للخط.
على كل حال ومسألة التقية مسألة مفصلة مبحوثة في كتب العقائد والفقه والتفسير وما شاكل ذلك، فقال يا مولاي اذا كنت التمنى فاتمنى التقية في ديني لان مسألة الحفاظ على الدين امر مهم يجب ان يحافظ المرء على دينه على معتقده ولو اقتضى ذلك ان يتقي احياناً غيره اذا وجد خطر على دينه، والشئ الثاني الذي اتمناه هو قضاء حقوق اخواني تعلم ايها السامع الكريم وايتها المستمعة الفاضلة، ان للمسلم على المسلم والمؤمن على المؤمن حقوقاً كثيرة تفوق حوالي ثلاثين حقاً حق حفظ سمعته وكرامته في غيابه وحضوره، حق حفظ امواله وعرضه ونفسه وما شاكل ذلك وطبعاً هذه الحقوق كثيرة ويحتاج الباري يساعد الانسان على اداء هذه الحقوق والا اذا الانسان بمفرده لا يستطيع ان يؤدي هذه الحقوق. قال: لو كنت اتمنى لتمنيت من الله ان يساعدني على قضاء حقوق اخواني وهي كثيرة.
الامام هنا طرح مسألة مهمة كثيراً وهي ام المسائل قال: لماذا لا تسأل ولايتنا اهل البيت وهي مجمع الفضائل وهي منشأ كل الكمالات؟ قال: يا مولاي اما هذا فقد رزقني الله هذا الشئ، انا والله الحمد على ولايتكم ورزقني الولاية ولكن ان أسأل الشئ الذي ما اعطيته وهو هذين الامرين، اما الولاية فقد اعطاني الله الولاية وانا على ولايتكم. هذا الحوار حوار في غاية الاهمية ومواضيعه في غاية الاهمية والخطورة، نسأل الله سبحانه وتعالى ان نستفيد منها في حياتنا. وصل الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
*******