رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا الانبياء وخاتم الانبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين وعلى الاخيار من اصحابه الطيبين ومن تبعهم باحسان يوم الدين.
كان رجل من التجار يختلف الى الامام جعفر بن محمد الصادق ويزوره احياناً ويخالطه ويعرفه بحسن حالة، فتغير حال هذا التاجر وساءت احوال معيشته فجعل يشكو الى الامام جعفر(ع) ذلك الامر فقال له الامام: "لا تجزع وان اعسرت يوماً فقد ايسرت في يوم طويل ولا تيأس فان اليأس كفر لعل الله يغني عن قليل ولا تظنن بربك ظن سوء فان الله اولى بالجميل" اراد الامام جعفر الصادق(ع) ان يعطيه درساً في الحياة. ان الحياة ليست على وتيره واحدة ايها الاخوة، فهناك صعود وهناك نزول وهناك شدة وهناك رخاء فهذه طبيعة الحياة ان الحياة الدنيوية من اجل ترويض الانسان من اجل تربية الانسان، لم يأتي الانسان الى هذه الدنيا الى لتنمو مواهبه ولتخلص جوهرته من الشوائب كما يخلص الذهب عندما يوضع في النار فلهذا فان الانسان العاقل اللبيب لا يجزع اذا ساءت احواله واذا تغير وضعه انما اولاً يصبر ويتحمل ولا يجزع وثانياً يسعى لكي يغير تلك الحالة بالعمل الدؤوب وبالمنهجية في النشاط وهناك من يعمل ولا منهجية له في العمل وهناك من عنده منهجيه ونشاط ولكنه لا يتمتع بالصبر والاستقامة والثبات فاذا تغيرت الحالة اي حالة الانسان ساءت وتردت مثلاً فان عليه في البداية ان يصبر ويتحمل ولا يسئ الظن بالله سبحانه وتعالى الذي طالما نزل عليه فضائله و فواضله ونعمه ولكنه لربما اخذه بالشدة ليختبر صبره وليمتحن ثباته وليرى شكره على الانسان لا يتغير من حيث الايمان والثقة بالله اذا تغيرت احواله بل يصبر في المرحلة الاولى ثم يسعى ليصلح امره بالعمل المنهجي المنظم المقرون بالتؤدة والثبات والاستقامة وهذا ما اراد الامام الصادق(ع) ان يعلمه لذلك التاجر الذي حسنت احواله اعواماً طويلة ولكن هذه الاحوال ساءت مدة قليلة وزمناً قصيراً قال له:"لا تجزع وان اعسرت يوماً فقد ايسرت في يوم طويل ولا تيأس فان اليأس كفر لعل الله يغني عن قليل ولا تظنن بربك ظن سوء فان الله اولى بالجليل". ان علينا نرى حياة الصادقين كيف انهم صبروا في المصائب وصبروا امام تقلبات الحياة، هذا النبي العظيم الصابر الاواب ايوب(ع) حينما امتحنه الله بالبلاء وحينما استطاع الشيطان ان يصيبه في مشاكل في امواله وفي نفسه وفي اولاده صبر ايوب، صبراً عظيماً وصبرت معه زوجته حوالي سبع سنوات حتى كادت الامور تضيق عليها وضاق صدرها من هذا العذاب الطويل فشكت الى ايوب فقال لها ايوب: يا امة الله نحن كنا في الرخاء ثمانين سنة فلماذا لا نصبر في الشدة سبع سنوات. اجل ايها المستمع الكريم لو اننا امعنا في حياتنا وفيما انعم الله به علينا من جوارح من اعضاء سليمة فاعلة نشطة من صحة وسلامة ومن خيرات اخرى ظاهرة وباطنة لعرفنا ان ما يصيبنا من البلاء والمحنة احياناً لا يساوي شيئاً بالمقارنة والمقايسة الى تلك الفواضل والنعم التي منّ الله علينا بها ولو عرفنا ان هذه الامور هي لحكمة علينا لعل من هذه الحكم هي ان نعرف قدر النعمة. ولهذا جاء في الحديث الشريف: "اذا رأيتم ذا عاهة في رجله او عينه او يده او لسانه واي مؤوف بافة فأشكروا الله تعالى على ما انعم عليكم ون الصحة والسلامة في الاعضاء والجوارح". لعل هذه الامور هي درس لنا ان الانسان اذا مشى في طريق معبد ليس فيه انعطافات وليس فيه مطبات ولعل هذه المطبات احياناً مصطنعة لغثى ونام وهو يقود سيارته اما اذا كان الشاع الذي يسير فيه يحتوي على بعض انحناءات وانعطافات او بعض المطبات او بعض المسامير المثبتة في الارض فانه سوف لا يغفل وهو يقود سيارته وهو يسير بسرعة فائقة، لو لم تكن هذه المطبات والمسامير التي تثبت في بعض الشوارع الطويلة والمسافات الطويلة لغفى الانسان ولنام ولحدثت مشاكل كثيرة. ان المشاكل في حياة الانسان بمثابة تلك المطبات وبمثابة تلك المسامير في الشوارع ذات المسافات الطويلة من اجل ان يتنبه الانسان ومن اجل ان يستيقظ ولاتستحوذ عليه ولا تسيطر عليه الغفلة والغفوة بل يكون حذراً. ولهذا فأن هناك نصيحة اخرى من الامام جعفر الصادق(ع) لنا جميعاً هذه النصيحة جميلة جداً وقد جاءت في تبيين من الشعر وهي اننا نجب ان لا نبطر اذا رزقنا الله ثروة كبيرة وانعم علينا بمال كثير او مكانة عظية في المجتمع كما اننا يجب ان لا تسؤنا بعض التقلبات في حياتنا وادبار الدنيا عنا،يجب ان نتخذ ذلك منطلقاً للسعي ومنطلقاً للتربية والتوجة الى الله انظر الى هذين التبيين اللذين يحملان لنا هذه النصيحة العظمى:
لا اليسر يطرأنا يوماً فيبطرنا
ولا لازمة دهر نظهر الجزعا
ان سيرنا الدهر لم نبهج لصحبته
اوساءنا الدهر لم نظهر له الهلما
اجل اليسر لا يبطرنا ولا يمكن ان يبطر المسلم ولا الازمة تقعده وتسئ نظرته الى الحياة والله سبحانه وتعالى.
ان هذه الامور طبيعية بل وربما ضرورية لتربيتنا فينبغي ان نتعامل معها تعاملاً معقولاً.
لا اليسر يطرأنا يوماً فيبطرنا
ولا لازمة دهر نظهر الجزعا
ان سيرنا الدهر لم نبهج لصحبته
اوساءنا الدهر لم نظهر له الهلما
فسلام الله على الصادقين من ائمة اهل البيت الذين حملوا الينا باخلاق وبحب كل هذه المواعظ الجميلة الطيبة النيرة التي لو تمسكنا بها لعشنا عيشة طيبة احرزنا الحياة الكريمة التي نتوخاها ونريدها. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******