والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا الانبياء و المرسلين محمد آله الطاهرين والاخيار من اصحابه اجمعين.
جاء في التاريخ ان امرأتين اتنا علياً(ع) عند قسمت بيت المال، وكانت احداهما من العرب والاخرى من الموالي اي من غير العرب فأعطى كل واحدة منها خمسة وعشرين درهماً وكراً من الطعام فقالت المرأة العربية: يا امير المؤمنين اني امرأة من العرب وهذه امرأة من العجم اي كيف تساوي بيني وبينها في العطاء؟ فأجابها امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) قائلاً: اني والله لا اجد لبني اسماعيل في هذا الفئ فضلاً على بني اسحق يعني العرب الذين هم من اسماعيل وغير العرب الذين هم من اسحق لا اجد بين ابناء اسماعيل وابناء اسحق فرقاً ولا فضلاً، تطالبينني بالزيادة؟ هذه الاسلوب هو الاسلوب العادل الذي انتهجه الامام امير المؤمنين في تقسيم بيت المال وهو الاسلوب الذي اراده القران واراده الاسلام وهو الاسلوب الذي سار عليه رسول الله(ص) العدالة الاقتصادية.
وهذا هو الذي لو طبق في الامة الاسلامية لارتفعت وانتفت الاختلافات الاقتصادية الباهضة والفروق والطبقية التي يرزح تحتها الملايين من الذين حرموا من حقوقهم. ولم يكن الامام امير المؤمنين(ع) ينهج هذا الاسلوب في العطاء وفي الصرف بيت المال واموال المسلمين والثروة العامة بل كان في مجال الثروة التي تتعلق بالمسلمين يشدد على نفسه تشديداً عجيباً فقد جاء في الروايات ان امير المؤمنين(ع) كان يقول: يا اهل الكوفة اذا انا خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي وغلامي فأنا خائن اي لن اخذ من بيت المال شيئاً. وكان الامام(ع) تأتي نفقته من غلته في المدينة من ينبع اي لا يتصرف من بيت المال لنفسه كان يطعم الناس الخبز واللحم واما هو فيأكل من الثريد بالزيت ويكللها بالتمر من العجوة وكان ذلك طعامه. وجاء في التاريخ انه كان يقسم في البيت المال فلا يأتي الجمعة وفي بيت المال شئ ويأمر ببيت المال في كل خميس وينضح بالماء ويصلي فيه ركعتين، كما انه جاء في تاريخه وفي حياته انه كان يقول وهو يضع يده على بطنه والذي فلق الحب وبرء النسمة لا تنطوي ثميلتي على قلة من خيانة ويقصد من الثميلة ما يكون فيه من الطعام والشراب من الجوف، وفي رواية على علة من الخيانة ولا خرجن من الدنيا خميصاً اي جائعاً. اجل هذه كانت سيرة علي(ع) في نفسه وسيرته في المال، جاء احد اقاربه اليه وهو عبدالله بن جعفر الطيار قال يا امير المؤمنين لو امرت لي بمعونة او نفقة فوالله ما عندي الا ان ابيع علوفتي اي ان ذلك الرجل الذي كان من اقرباء الامام او بالاحرى ابن اخيه كان يطلب شيئاً اكثر من الاخرين من بيت المال فقال له الامام(ع): لا والله ماجد لك شيئاً الا ان تأمر عمك ان يسرق ويعطيك، ان يسرق من بيت المال انه لو اعطاك زيادة مما يعطي للمسلمين كان ذلك خيانة منه في بيت المال وايثاراً لك عليهم. ان الامام(ع)كان شديد التوقي وشديد الاحتياط في مسألة بيت المال و ثروات المسلمين وقصته مع اخيه عقيل الذي جاء يطلب منه زيادة فاحمى حديدة وقربها منه ولما احسّ بحرارة الحديدة المحماة ضج وصاح، فالامام قال عجباً منك يا عقيل انت تضج وتصرخ من حديدة اتخذها شخص للهوهه ولا اضج ولا ابكي ولا اخشى من نار اججها الباري سبحانه وتعالى، وتريد ان اعطيك شيئاّ من بيت المال لا تعرض لسخط الله وناره كيف تأمرني بهذا؟ في التاريخ الامام اخرج سيفاّ له فقال من يشتري سيفي هذا مني فوالذي نفسي بيده لو ان معي ثمن ايزار لبعته كان(ع) رغم ما يأتيه من الاموال ورغم ما تأتيه ألاف الدنانير والدراهم لا يسمح لنفسه يأخذ منها شيئاً لنفسه او يعطي منها شيئاً لاقاربه من دون حق ولهذا كان امير المؤمنين رمز العدالة ليست فقط العدالة الاقتصادية بل العدالة في جميع المجالات، العدالة في الامور الاقتصادية والعدالة في القضاء. كان عليّ(ع) كما كان رسول الله(ص)يتحرى العدالة ويتجنب اي شئ يوجب ظلماً ويوجب جفاءً وجوراً لانسان مهما كان شأنه ومهما كان موقعه. نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا لان نترسم خطاه ونأخذ بمنهجه ونكون على طريقه المستقيم في انتهاج منهج العدالة. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
*******