والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا الانبياء وخاتم المرسلين المصطفى ابي القاسم محمد صلى الله عليه وعلى آل بيته والاخيار من اصحابه اجمعين.
روى ان الامام السجاد زين العابدين(ع) كان ذات يوم خارجاً فلقيه رجل في الطريق ممن تأثر بالدعاية الاموية من الدعايات التي كانت تروج ضد اهل البيت، فسب الامام فثارت اليه العبيد والموالي وارادوا ان يضربوه ويؤدبوه فقال لهم الامام زين العابدين(ع): مهلاً كفوا، ثم اقبل الامام على ذلك الرجل فقال: ما ستر عنك من امرنا اكثر، الك حاجة نعينك عليها؟ فاستحي الرجل وخجل! فالقى اليه الامام زين العابدين(ع) خميسة اي كساءاً اسوداً معلماً كانت عليه وامر له بالف درهم. فكان ذلك الرجل بعد ذلك يقول اشهد انك من اولاد الرسل. ان الذي يستفيده من هذه القصة التاريخية الخالدة من حياة احد الصادقين وهم اهل البيت(ع)، هو السيطرة على النفس، ان السيطرة على النفس فضيلة ليس فوقها الفضيلة وعدم السيطرة على النفس رذيلة ليس فوقها رذيلة، فالنفس هي منشأ كل شئ خيراً كان ام شراً. اذا صلحت النفس صلحت اعمال الانسان ونشاطاته لان النفس هي المديرة والمدبر للجوارح والاعضاء، فاذا تمكنت النفس من السيطرة على ذاتها وكبح جماح نفسها وعدم الانسياق وراء الغضب وما شاكل ما ذلك فان الاعضاء والجوارح في البدن ستكون هي ايضاً معتدلة لا تتجاوز الحد ولا تأتي بمنكر ولا تقع في مطبات لا تستطيع الخروج منها، اذا ما فقدت النفس السيطرة على ذاتها ووقعت تحت تأثير الغضب الجامع والغيض العارم فان الاعضاء والجوارح في البدن ستتبعها في هذه الخصوصية وسيرتكب الانسان ما لا يحمد عقباء ولهذا جاءت روايات كثيرة تحثنا على السيطرة على النفس وكبح جماحها. في هذه القصه يعلمنا الامام سجاد(ع) كيف نسيطر على نفسنا ونكبح جماحها، انظر حينما يأتي رجل مغفل قد تأثر بالدعايات المضلِلة او المضلَلة فيسب الامام(ع)، تلك الشخصية المرموقة في المجتمع ويثور الناس والعبيد والموالي لكي يؤدبوا ذلك الرجل. نجد الامام(ع) يكتم غيضه ويكظم غيضه ويسيطر على نفسه ويقول لا كفوا عنه كفوا. ثم ماذا يفعل هذا هو الدرس الثاني يقبل علي ذلك الرجل ويقول ايها الرجل انما ستر عنك من امرنا اكثر من هذا، هناك اشياء لا تعلمها منا لو علمتها لتغيرت نظرتك الينا وانت رجل تأثرت بالدعايات المضللة ولنا كما تتصور قد ذكرت لك عنا امور تتصور انها صحيحة في حقنا ولكن هناك صفات وحسنات وسجايا كريمة فينا انت لم تطلع عليها. هذا درس في الايقاظ والارشاد والتوجيه والتوعية. اما الدرس الثالث فهو ان الامام(ع) يعرض ذلك الرجل المعونة لانه قد تدفع بالاشخاص الحاجة الملحة الى ان يخرجوا من طورهم ويسبوا هذا وذاك وكأن الامام اراد ان يقول لنا بعض هذه الحالات هي حالات نفسية مرضية طارئة تنشأ من حاجات اقتصادية او ما شاكل ذلك فقال له ألك حاجة نعينك عليها. هذا الادب الرفيع جعل ذلك الشخص يخجل من تصرفه ويستحي ويلجأ الى نفسه ويحاكمها ويناقشها لماذا وبأي دليل تجرأت على هذا الامام هذا الرجل الخلوق الذي ملءه الحنان والرحمة، وهذا اول يقظة في ذلك الرجل اشعل فتيلها الامام(ع) بحسن صنيعة وحسن تعامله مع ذلك الرجل وعدم الرد بصورة سبيلة على موقفه ثم ان الامام يبادر الى تقديم ثوب له واعطائه الف درهم هذه خطوة اخرى، خطوة لاجل تليين قلب ذلك الرجل والاستحواذ على عواطفه وتذكيره وايقاظه وتوعيته ولهذا فان ذلك الرجل نجده بعد ان ندم على فعله وبعد ان استحيا من صنيعه وموقفه السئ من الامام زين العابدين(ع) نجده يعترف بفضل الامام ويعترف بان هذا الخلق ليس خلق اشخاص عاديين انما هو خلق من يكون غصناً من الشجرة النبوية يكون قد تربى في حضن الحق وفي حجر الوحي لهذا كان هذا الرجل يقول: "اشهد انك من اولاد الرسل". ان هذه الثمرة الطيبة لا يحصل الا حين يسيطر الانسان على نفسه ويكبح جوامحها ويحفظ نفسه من الغضب والاسترسال وراء الغضب فان في الغضب نتيجه واحدة هي التشفي المؤقت ولكن خسارة المثل وخسارة الاصدقاء وخسارة الاحبة بينما في كظم الغيظ والسيطرة على النفس وكبح جماح الغضب كسب الناس وكسب القلوب والهداية والارشاد. ونحن في هذا اليوم احوج من ان نكون الى ذلك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.