قال رسول الله(ص): "لا فضل لعربي على عجمي او اعجمي الا بتقوى"
ان مما يمتاز به الاسلام هو نظرته الواقعية بالنسبة الى البشرية، فالبشر في نظر الاسلام سواسيه من حيث العنصر ومن حيث الخلق، الناس من جهة التمثال اكفاء، ابوهم آدم والام حواء، القرآن الكريم في آياته العديدة يذكر الناس جميعاً بأن اصلهم ومعدنهم ومنشأهم هو الطين هو التراب والجميع مشتركون في هذا العنصر وفي هذا المنشاء والمعدن فلهذا ينبغي ان لا يتصور احد انه خلق من المادة على درجة او افضل جوهراً والاخرون على غير هذا الشكل كما كان وكما لا تزال بعض الفرق والطوائف في العالم تعتقد بذلك، فاليهود مثلاً يقولون نحن ابناء الله انهم يرفعون بانفسهم الى مرتبة الالهية ويدعون البنوة لله وهذا يعني انهم اعلى جوهراً من سائر البشرية، الاسلام يرفض هذا، نظرياً وعملياً فالبشر في نظر الاسلام كما هو الواقع سواء وسواسيه من حيث المنشأ والمعدن والاصل. وقد كان رسول الله(ص) يؤكد هذا المعنى في عبارات وفي كلمات خالدة قوية، بالنسبة الى اللغة نجد الرسول الاكرم(ص) يقول مثلاً ليست اللغة بفارق بين اصناف البشرية فالعربية التي هي من اعظم اللغات واعلاها شأناً والقرآن نزل باللغة العربية لما في اللغة العربية من العظمة والفصاحة والبلاغة والضلال والجمال والكمال. نجد الرسول الاكرم(ص) يقول ان اللغة هذه ليست فارقاً لتجعل المتكلم بالعربية اعلى شأناً وجوهراً وطينة من غير العرب حيث يقول في جملته الخالدة العربية لبست بأب والد ويكمل بهذا بما هو معناه ان العربية لغة من اللغات ليست بأب والد اي ليست منشاءاً للخلق ليست معدناً منه ينشأ الانسان يكون اصله ومعدنه المعدن والاصل والمنشأ الذي ينشأ منه جميع ابناء الانسان على اختلاف الوانهم واذواقهم واشكالهم وبلادهم وعاداتهم، هو التراب هو الطين هذا نظرياً وعملياً. كان رسول الله(ص) لا يفرق بين الابيض والاسود والقرشي والحبشي والبعيد والقريب والسيد والغلام اذا كانوا مسلمين، بل كان يتعامل مع الجميع بشكل واحد. نعم عندما كان يريد ان يوكل مسؤوليات مهمة فيها جهات معنوية يقدمها ويكلف بها الاتقياء الذين يكونون اكثر معرفة بالدين، اكثر تقوى واكثر ورعاً. لكن في هذه الحالة كان الرسول الاكرم(ص) يساوي بين الجميع، يساوي بينهم في العطاء، يساوي بينهم في النظرة، يساوي بينهم في الترحاب، ويساوي بينهم في التعامل. وهذا امتياز كبير في الاسلام وهو الذي كان سبباً في اجتذاب اكبر قدر من الشعوب المختلفة، حينما ننظر الى الصف الذي كان يصطف حول رسول الله(ص) وخلف رسول الله(ص) في الصلاة، نجد هذا الصف مكوناً من الاسود والابيض ومن الرومي والتركي والعربي والحبشي واصحاب اللغات والالوان المختلفة من البقاع المتنوعة وقد استطاع الاسلام ان يكتسب اكبر قدر من الناس بهذه الميزة وبهذا الشيء العظيم الذي تميز به على سائر الاديان وعلى سائر المدارس. وقد سار اهل البيت(ع) والأئمة من ابناء رسول الله(ص) على هذا النهج تماماً. فكانوا يتعاملون مع اصحاب الالوان المختلفة ما داموا مسلمين وما داموا مؤمنين بشكل واحد فما كانوا يحقرون لوناً ويميزون لوناً أخر عليه وما كانوا يحتقرون صاحب لغة غير عربية لكونه اعجمياً او ما شاكل ذلك. هذا امير المؤمنين(ع) نجده حينما يقسم بيت المال تعترض عليه امرأة قرشية عربية لأنها حصلت في هذا التقسيم لبيت المال بقدر ما حصلت عليه امرأة من عرق آخر من لون أخر من قبيلة غير عربية. وعندما تعترض وتطرح اعتراضها على الامام امير المؤمنين(ع) يقول الامام(ع): "اني نظرت في كتاب الله فلم ار فرقاً بين العرب والعجم وبين الابيض والاسود وبين القرشية وغير القرشية فلهذا فأنني اساوي بين الجميع".
وهذا الامام علي بن موسى الرضا(ع) ثامن ائمة اهل البيت نجده يعطينا درساً في هذا المجال حيث جاء في الرواية عن رجل من اهل بلخ يقول: كنت مع الامام علي بن موسى الرضا(ع) في سفره الى خراسان حينما استدعى المأمون العباسي الامام الرضا من المدينة ليجعله ولياً لعهده، ولي العهد لنفسه، جاء الى ايران وذهب الى خراسان. يقول هذا الرجل من اهل بلخ: كنت مع الرضا(ع) في سفره هذا الى خراسان وفي يوم من الايام في اثناء الطريق دعا الامام بمائدة امر ان تفرش المائدة، وتبسط المائدة للطعام . فجمع على هذه المائدة كل غلمانه وعبيده من الملونين بعضهم كانوا سوداً ومن الوان الاخرى من الاحرار من غير الملونين من العرب الذين كانوا معه، يقول هذا الرجل البلخي، قلت للامام(ع): جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة. يعني ينبغي ان تجعل لنفسك مائدة خاصة ولهؤلاء الملونين والعبيد والغلمان مائدة اخرى. الامام الرضا(ع) يجيبه قائلاً: "مه! اسكت لا تقل هذا الكلام، مه! ان الرب تبارك وتعالى واحد والام واحدة والاب واحد والجزاء بالاعمال".
ما اعظم هذا الدرس، وما اقواه وما احوجنا اليه الاخوة المستمعون وايها الاخوات المستمعات. نعم الجزاء بالعمل اذا كان عملنا صالحاً هو الذي يرفعنا عند الله اما اذا كان عملنا غير صالح لا سمح الله فلا تنفع القبيلة ولا تنفع الاوسمة ولا تنفع المراتب الدنيوية ولا تنفع الدرجات المادية ولا تنفع الثروة في الدنيا والمقام المادي. العمل هو الذي يكون خير شفيع لنا في الاخرة، اما اللون اما اللغة اما القبيلة، الم يكن ابولهب عربياً ومع ذلك قال الله بحقه: "تبت يدى ابي لهب وتب" والم يرفع الاسلام سلمان الى تلك الدرجة حيث قال رسول الله(ص): "سلمان منا اهل البيت" لانه كان متقياً ورعاً.
ان اللغة العربية لاشك لغة عظيمة خالدة، لغة القران وقد شرفها سبحانه وتعالى بأن انزل القران بها باللغة العربية، لكن هذا لا يعني ان الذي ينطق باللغة العربية وان كان فاسد العمل وان كان سيئ الخلق وان كان عاصياً مذنباً هو اعلى درجة ورتبة من الانسان الذي لا ينطق باللغة العربية كما لو ينطق بالتركية او ينطق بالفارسية او ينطق بأي لغة اخرى ولكنه صالح العمل ولكنه مطيع لله ولرسوله وعامل بالكتاب والسنة ومتبع لمن امر الله باتباعه. ان العمل هو المعيار وهو المقياس للانسان ليست اللغة ولا اللون ولا القبيلة ولا الارض ولا التربة. نعم انني اكرر ما قاله رسول الله(ص) وما قاله الامام الرضا(ع) قال رسول الله(ص):
"لا فضل لعربي على اعجمي الا بتقوى". وقال الامام الرضا(ع) في الرد على من اقترح عليه بأن يعزل لنفسه مائدة ولعبيده ولغيره من غير الاحرار مائدة الاخرى قال: "مه، ان الرب واحد والام واحدة والاب واحد والجزاء بالاعمال". وفقنا الله تبارك وتعالى للاخذ بتعاليم الاسلام ونصر الله المسلمين جميعاً اينما كانوا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.