إذ إنَّ الله سبحانه وتعالى أراد من المسلمين أن يشبهوا رسول الله، بأن يقتدوا به ويتأسوا بأخلاقه وبكلّ حياته الروحية والسلوكية، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: 21].
"قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الفاحش المتفحِّش البذيء"، بذيء اللّسان الَّذي يتحرَّك لسانه دائماً بما يُستحَى منه ويُخجَل منه، "البخيل" الّذي يبخل بما آتاه الله من فضله، "المختال" الَّذي يعيش الخُيلاء والكبرياء، "الحقود" الَّذي يحمل الحقد في نفسه، "الحسود" الَّذي يحسد النَّاس على ما آتاهم الله من فضله، "القاسي القلب، البعيد من كلِّ خير يرجى"، فلا يفكِّر في الخير لأحد، "غير المأمون من كلّ شرٍ يُتَّقى" ، فلا يؤمن شرّه من أحد.
وقد اعتبر رسول الله هذا النموذج أنه الأبعد منه شبهاً، بمعنى أنّه أبعد الناس عن الإسلام، لأنَّ رسول الله يمثل في سيرته الإسلام في أعلى مظاهره، وفي أقرب مواقعه، فكان النبي (ص) ينهى عن الفحش والبذاءة، ويدعو إلى التَّهذيب والكلام الطيِّب، ويحبّ الكريم، ويبغض المتكبِّر المعجب بنفسه، لأنه يريد للإنسان أن يكون متواضعاً في أخلاقيته، في علاقته بالنَّاس كلِّهم، وكان يدعو إلى المحبَّة بدلاً من الحقد، لأنَّ المؤمن لا يحقد على الآخرين، بل ينبض قلبه بالمحبَّة لهم، وإلى الغبطة في مقابل الحسد، فهو لا يتمنَّى زوال نعمة الله عن شخص، بل يطلب من الله أن يعطيه مثل ما أعطاه، لأنَّ الله سبحانه وتعالى واسعٌ كريم، وكان (ص) يدعو إلى رقَّة القلب ضدّ قسوته، وإلى الأخذ بأسباب الخير للناس وللحياة، والبعد عن الشرّ للناس كافّة.
وقد كان النبيّ (ص) هو التجسيد للإسلام، وقد ورد أنَّه كان قرآناً يتحرَّك، إذ كان الناس يسمعون من النبي (ص) آيات الله في القرآن، ويتطلّعون إليه، فيرون القرآن ممثَّلاً في كلّ سلوكه وفي كلّ أقواله وأفعاله.
وقد سُئلت إحدى زوجات الرّسول (ص) عن أخلاقه، فقالت: "كان خُلُقُه القرآن" ، بحيث إذا رأيت أخلاق رسول الله (ص)، فكأنك تنظر إلى القرآن مجسَّداً في أخلاقه، وفي كلِّ ما قاله القرآن، وفي كلِّ ما خطَّط له.
فقضيَّة أنه أبعد الناس عن رسول الله، أي أبعد النَّاس عن الإسلام.
*من كتاب "النَّدوة"، ج 18.
السيد محمد حسين فضل الله