كانت قضية الادب المكشوف من التيارات الطارئة في العصر الحديث على الادب العربي فلا هي من طبيعته ولا من ذوقه ولا مزاجاته النفسية وقد بدت ملامح الادب المكشوف تعزو الادب العربي من خلال مناهج النقد الغربي الواقد على ايدي الكتاب من دعاة هذا الاتجاه الاباحي الدخيل وتجلى هذا من خلال ترجمة التراث اليوناني الحافل بالاساطير والاباحية ومن خلال ترجمة القصص الاوروبي والفرنسي على نحو خاص والذي تولاه عدد من المارونيين اللبنانيين، وكان للدكتور طه حسين يد في هذا المجال اذ احيا كثيراً من اساطير اليونان وترجم عشرات فن القصص الفرنسية المكشوفة كما ترجم لبودبر الشاعر الاباحي ولغيره.
ومما لا ريب فيه ان الادب الغربي قد اعتمد في الادب المكشوف على عناصر هي من جوهر المجتمع الاوروبي ومن خلال تحديات معينة نبعت من مفاهيم الرهبانية الكنيسة في فلسفتها التي تدعو الى اعتزال الحياة والمرأة ومعاكسة الطبيعة الانسانية في هذا الجانب، ثم تدخلت عوامل مخربة مستخفية هي اشد خطراً واوضع انحداراً وسقوطاً، وقد دعت هذه الايدي الخفية الى نشر مذهب فرويد بالجنس تحت غطاء التحليل النفسي والى اذاعته وتطبيقه في الحياة الغربية على نطاق واسع وقد ايدت كثير من الوثائق والدراسات اتصال فرويد اليهودي بالحركة الصهيونية الحاقدة على البشرية والتي وضعت بروتوكولاتها لتكون خطة خبيثة لتدمير المجتمعات تمهيداً لسيطرة اليهودية العالمية على العالم كله.
هذه الحركة التي بدأها هرتل صديق فرويد في دعوته السياسية وآثره فرويد بالدعوة الى تدمير الشخصية الانسانية من خلال التظاهر بالعلم الذي هو هنا علم النفس الذي خضع الناس اكثر من سبعين سنة حتى جاءت الصهيونية في السنوات الاخيرة فكشفت عن الرابطة بين مباديء فرويد ومباديء التلمود. يقول احد البروتوكولات ان فرويد منا وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس حتى لا يبقى شيء مقدس في نظر الشباب عندئذ تنهار اخلاقه فتسهل سيطرتنا.
عبر مضامين نظرية فرويد في اعلاء الجنس وجعله المحرك الاول للسلوك البشري ظهرت تلك الاتجاهات المسرفة التي تضمنتها ازهار الشر لبدلير ومادام بوباري لبولير وغيرهما كثير، ومن هنا اشتد التيار الذي يحمل لواء حرية الفن المطلقة وتغليب الشر في الغزل والخمريات وتغليب جانب القبح كما عرف عن الشاعر بدلير، بدلير هذا قد جعل من رمة حيوان متعفنة موضوع قصيدة شعرية وجهها الى حبيبته ويذكرها فيها، والواقع ان هذا اللون من الشعر الغربي الاباحي لا يسيغه الذوق المسلم ولا عرفه الادب العربي، حين قام بترجمته طه حسين وهو ليس في الادب العربي من مفهوم الفن الجميل ولذلك ذوق آخر غريب وهو لا يستطيع مهما ترجم منه الوفاً من المقاطع ان يخلق تياراً ترضاه نفس الانسان المسلم والعربي لانه يتعارض وجوهرها.
ولقد كان كتاب الجنس الغربيون هؤلاء مسرفين في الانحلال، يتعاطون الافيون والحشيش ويعيشون حياة شاذة غريبة الاطوار، وان دعاة هذا المذهب من فلاسفة وكتاب واصحاب قصص انما نشأوا جميعاً نشأة غير سوية، وواجهوا في مطالع حياتهم تحديات اجتماعية خطيرة في بيئتهم وبين ذويهم.
ويقف طه حسين شعر بودلير في عبارات تكشف عن طبيعة شاذة حين يقول وهو في ذلك حر جريء مجازف، يتخير ابشع الصور واقبحها واشدها تأثيراً في النفس من هذه النواحي البشعة القبيحة وهو مادي التصور ولحسه المادي اثر قوي في شعره ولا سيما حس اللمس والشم والبصر فهو يعرض عليك هذه الصور البشعة التي يحسها الشم واللمس والبصر في الاجسام الهالكة المتحللة وهو شعر مخيف تضطرب له النفس وتشمأز في كثير من الاحيان، هذه عبارات طه حسين واذا كان شعر بدلير الى هذا الحد من البشاعة فلماذا اعزم به وغرق فيه وآثره بالترجمة واهتم بنقله الى الادب العربي، وقد سجل طه حسين ان بودلير نشأ نشأة لا تخلو من القهر والعنف والضيق وكان يكره زوج امه ويتبرم فيما له من سلطان وكان ذلك كافياً لان ينشأ صبياً مبغضاً للمحافظة، ميالاً للتطرف وكان يصطنع الاقبون والحشيش في جماعة من اصدقاءه الفنيين فلا يزيده ذلك الا شذوذاً وغرابة في اطواره.
وشأن لورانس شبيه بذلك واشد واغرب، لويس عوض الصليبي التغريبي يصور لورانس فيقول، عرف لورانس بالالتهاب الرئوي الذي خرب صحته تخريباً وموت امه كان كارثة غير طبيعية بالنسبة له فقد فكر الانتحار ولم يجده لائقاً في الخدمة العسكرية في الحرب وقد عرف لورانس انه كان منحلاً قذر التفكير لا يصور الا الاحساسات الجنسية الوضيعة منها والشاذة، كان لورانس مريضاً بمركب اوديد ومركب اوديد هو الذي خرب نفسه وجسمه وهو الذي شل كثيراً من قواه الحيوية وهو الذي الهبه بالسياط وعذبه عذاباً اليماً، واشار لويس عوض الى اندماج الابن بالام عاطفياً مما جعل من المستحيل عليه بعد المراهقة ان ينصرف بعواطفه الى غيرها من الاناث وقد ترك ذلك في نفسه عقدة نفسية استحال ان ينصرف معها الى حب امرأة اخرى غير امه، ويضيف لويس عوض ان ادب لورانس ادب مريض وان امه هي التي حطمت حياته هذا التحطيم، وقد اعلن لورانس نفسه ان امه هي التي هدمت سعادته فكرهها من اعماق نفسه ولعنها في اشعاره فقال من اجلك لعنت الامومة.
هذا هو ما وصفه لورانس في قصته عشيق الليدي تشارلي او رواية الا بناء والعشاق وسائر قصصه التي ترجمت الى اللغة العربية فهل هي تمثل اي شعور مشترك او اي سمة مشتركة الى مثل هذه الصور التي تبدو غريبة في المجتمع المسلم ومن ثم تبدو شاذة وممقوتة في الادب العربي على الاطلاق.
لقد كان ادب بودلير ولورانس وغيرهما ثمرة من ثمار المجتمع الاوروبي المنحل، وعمل مذهب فرويد في التحليل النفسي على اعلاء شأن الجنس مما جعله يسيطر سيطرة شبه كاملة على الادب والقصة والفن كله، وجاء طه حسين ومدرسة النقد الغربي الدخيل فحملوا لواء الدعوة الى عبادة الجسد وتقديس الشهوة وترجم طه حسين عشرات من هذه القصص وسار على نهجه كثيرون وقد جرت مساجلات بين الادباء حول الادب المكشوف وكان ابرزها بين سلامة موسى وتوفيق دياب الذي دعا الى الارتباط بالاخلاق وجرت الدعوة من بعد سافرة الى تحلل الفن من قيود الاخلاق، وكان ذلك جرياً مع تيار الغزو الفكري والتغريب ونقل قضية التحلل والاباحة والشك والجنس الى محيط الفكر الاسلامي والادب العربي كأحدى وسائل تدمير مقومات الامة.
*******