عنيت حركة التغريب في مجال الأدب على ترجمة القصص الغربية التي تحمل الوضع الأوروبي في قيمه المادية ونظرته الشهوانية وطموحاته المنكفئة الى التراب والرماد والقصة على هذا النمط ليست فناً يعمر الحياة ويبنيه ولا عملاً يدفع الى التسامي بالعواطف والمشاعر او يغذّي القلوب والعقول، وقد بحث الدكتور حسين الهراوي جانباً من اثار القصص الغربي المترجم وخاصة في البدايات فوصفه بأنه حقل من حقول الألغام في طريق الآداب العامة ونوع من الاستخفاف العقلي يبعثه الروائيون في نفوس الجماهير السهلة الإنقياد في قالب منمق يعطي فكرة ان الحياة لهو ومجون وانها قربت الى الأذهان فكرة الاستهانة والتغلغل في السقوط الأدبي والتمست للمستهترين والمتحللين اعذاراً ما كان لأحدهم ان يجدها لنفسه منفرداً، مثل قصص مانول لسكل وغادة الكامليا وغيرهم، مثل هذه القصص اثارت تأثيراً بالغاً في عقول النشأ فجعلتهم يستهترون ويسرقون وينتحرون.
مصطفى صادق الرافعي عرض لظاهرة القصة الغربية فكشف عن تباين اثر القصة بين المجتمع الغربي والمجتمع المسلم في البلاد العربية فهو يرى ان القصة صناعة لهو ومسألة فراغ وهذا قد يكون له وجه في علاج الحياة العملية المحطمة في اوربا وامريكا ولكن ما موضعه عندنا في الشرق والشرق انما يعمل على نهضة لمعالجة اللهو الذي جعل نصف وجوده السياسي عدماً، ويكتب الرافعي مضيفاً ألا ترى ان الروايات توضع قصصاً تقرأ فتبقى قصة واذا هي صنعت شيئاً لقراءتها لم تزد على ما تفعل المخدرات تكون مسكنات عصبية الى حين ثم تنقلب بعد حين الى مهيجات عصبية.
ويرى احد النقاد ان القصص التي تكتبها الشعوب الأوروبية ليست سوى أنّاتها وصرخاتها من مشاكلها المعقدة التي لا تجد لها حلاً الى اليوم، ان عقدة القصة الاوروبية تنحل من فورها في ضوء المجتمع الاسلامي وبمقاييس القواعد والقوانين الاسلامية لأنّ هذه العقدة تجمع حروفها دائمة في ظل مشاكل لا وجود لها في عقل المسلم، ويعتقد كثير من الكتاب ان هدف القصة في الغرب هو إعطاء الشعوب جرعة من الخيال للتعويض عن الواقع، فعبث يعيش الناس في المناطق الباردة بين الظلام والالام وبين الجبال الشاهقة والشمس الغائمة يحتاج الناس الى مخدر والى غيبوبة، وان القصة الخرافية الوثنية مستمدة من الاسطورة هي اللذة الكاذية التي تعطي الوهم بدلاً من اعطاء الحقيقة، ان خطر ما في القصة الاوروبية انه ما تقدمه للمحرومين العاجزين تعويضاً خيالياً وهمياً عن جميع حاجاتهم الرئيسة فيقتل فيهم الحافز القوي ويميت فيهم الضمير الحي ويضلله في مقاييس العقل ويرفع عنهم مسؤوليات الحياة، وكل ما يقال عن القصة الاوروبية من الاسطورة الوثنية الاغريقية يقال عن القصة الشرقية وان اختلفت المناهج والصور.
وايضاً لا يعرف الادب العربي مثل الخلاعة والترف التي تجدها مثلاً في قصة تايبس لاناتول فرانس حيث يمجد الغرائز والمجون والإسراف في العبث وهواي اناتول فرانس يحاول المخادعة والإلتفات في قوله للجسد ان يستسلم للشهوة وتبقى النفس طاهرة، وصورة قصة الطفل دايفيد كوبرفيلد التي تصور الطفل ينتقل بين قسوة زوج أمه وقسوة الناس وقسوة اللصوص الذين سرقوا ملابسه ونقوده هي ايضاً صورة غريبة على المجتمع المسلم وعلى أدبه. أجل ليس العيب في هذه القصص انها تصور مجتمعها ولكن العيب يكمن في ترجمتها وإلاهتمام بنشرها في محيط لا يقبلها ولا يهضمها ولقد أهتم دعاة مذهب النقد الغربي بترجمة هذه القصص وإغراق الأسواق بها حرصاً على نقل مفاهيمها الى الأدب العربي.
والمعروف ان فن القصة الذي غزا الأدب العربي في العصر الحديث قد تشكل من تراثين تراث الاسطورة اليونانية وتراث الاسطورة الشرقية القديمة وهما يقتربان من حيث ان طبيعة كل منهما تستمد من الوثنية ويتصلان بحضارة تلكم الشعوب البائدة المغرقة في الاباحية والوثنية الفلسفية، ومن هنا الخلاف بين الأدب العربي وبين القصة الغربية وليدة الوثنية اليونانية، والخلاف بين الأدب العربي وبين الأدب الغربي الاغريبقي القديم والأوروبي الحديث هو خلاف في الدوافع التي يتولد منها الأدب العربي وبين الغايات التي ينتهي اليها وهي مخالفة تماماً المخالفة للدوافع التي يتولد منها الأدب الاوروبي، مثال ذلك ان بعض دعاة التغريب حرص على ترجمة اعترافات فتى العصر وهو من تأليف ديموتيه وهي قصة تركز على احياء الإيمان المسيحي في نفوس شباب اوربا وتتلخص فلسفة ديموتيه في عدة أسس ليس واحد منها متفقاً مع ذاتية الأدب العربي ومفاهيم الفكر الاسلامي، يقول ليس لغرض المرأة قيمة مادية ولا معنوية بالنسبة للمجتمع، ويقول اذا شعر المدمن بدوار الخمر فليملأ كأسه ثانياً وايضاً لكي يكون الرجل مؤمناً فليساعد المخطئين على الخطيئة ويقول لذلك خير طريق للتخلص من الإلحاد ان يزداد المرء الحاداً. أجل اذا كان ديموتيه يقول هذا لشباب فرنسا في تلك الفترة التي نشر فيها قصته متصوراً انه علاج ناجح لداء العصر فأن هذا لا يحقق شيئاً لنا اليوم بل انه ينشر الداء في كل مكان ويعبث بالاجواء جميعها ويستنزل القيم الانسانية الكريمة الى مستنقع حيواني اثم قاتل، ومرة اخرى فأن من يقف وراء ترجمة مثل هذه القصص المدمرة هم دعاة التبشير والغزو الفكري والفنوذ الأجنبي الاستكباري المعادي لمصالح الشعوب الاسلامية.
*******