اطلع ادباء المهجر على الأدب العربي بمفاهيم غريبة هي أثر من آثار التغريب والغزو الثقافي المعادي للاسلام وتراث الأمة ومن اخطر ما في النزعة المهجرية الدعوة الى تحويل الجنس الى نوع من القداسة وتحويل الشهوات الهابطة الى صوفية وهذا قد ظهر اكثر ما ظهر في كتابات جبران، وكان هناك عامل هام لا يمكن اغفاله كان بعيد الأثر في الدعاية للأدب المهجري هو ان الصحف المصرية كانت في ايدي المارونيين اللبناتيين دعاة التغريب مثل صحيفة المقطم والاهرام والهلال والمقتطف.
كان اسلوب الشاميين في مصر والمهجريين في بوستن مما لا يفضي ذوق الأدب العربي وقد سجل هذا المستشرق هاملتون جيب في تقريره حيث قال، انهم لم يكن بأستطاعتهم ان يفعلوا ذلك وعجزوا عن ان يحلوا المشكلة النفسية لانهم كانوا نصارى كما عجزوا عن ان يحلوا المشكلة الاسلوبية، واعلن جيب رأيه في الفارق بين الكتاب العرب المسلمين وبين كتاب المهجر حين قال من النادر ان تجد اديباً مصرياً مسلماً ذا شأن يتنكر للماضي الاسلامي تنكراً تاماً كما فعل الكتاب السوريون المتأمركون.
لقد ذهب بعض اتباع مدرسة النقد الغربي الى خلق هالة من القداسة حول جبران وتداعت المقالات والكتابات تصل بينه في المقارنة وبين احمد شوقي وتحاول ان تفضله على السابقين واللاحقين في غرور وصلافة، في حين يذكر ميخائيل نعيمة الذي كان صديق جبران اللصيق به، يذكر بعيد وفاة جبران، ان صديقه هذا رجل مادي يبيع بالمال كل شيء ويشتري بالمال كل شيء، اما الدكتور عبد الكريم الاشتر الذي تخصص في دراسة النثر المهجري فيرى ان جبران ابن اب سكيرورث بدوره الادمان عن ابيه وكان عمه ايضاً مدمناً وتتجول في الاسرة جرثومة السل التي صرعت أمه وأخاه وأخته في بوستن، لقد كانت صحة جبران مشوشة بشهادته في خطابه الى نعيمة ونظرته الى الحياة ليست نظرة الانسان السوي، الحياة من حوله مصفرة شاحبة كلها زفرات حزن متصل، نظرة تشاؤم، ظلال سوداء، غيوم كثيفة، ضباب. وقد عرف بالتمرد على القيم والدين مع الالحاد والشك، واضطربت شخصيته بعد اتصاله بفكرية ينتشه، كل هذا عطل نموه وفجر طاقاته في مسالك مسدودة فضاع. وقد خالط كل هذا عنده شيء من النرجسية والغرور والتعالي بكرامة موهومة فهو لا يقبل النقد ويتعالى على الرؤية الصحيحة وله خيال مغرق فيرى انه نبي مرسل يحمل رسالة علوية حتى اعتقد انه رسول بعث به الشرق هادياً للغرب ويسميه ألياس ابو شبكة المسيح الجديد وكتب على قبره هنا يرقد نبينا جبران.
قالت عن جبران صديقته برابر يونج انه كان لا يرتاح لقامته القصيرة التي لا تزيد على مئة وستين سانتيمتراً وانه لم يستجب في اللحظة الاخيرة في فراض الموت الى الكاهن الماروني الذي اراد اقامة المراسم الدينية له، ووصف امين الريحاني ادب جبران بأنه مقزز كريه المذاق ذو عاطفة مائعة تتصنع الرقة، وقال كراتاشوفسكي ان لغة المهجريين مثل الريحاني ليست مما يستحسنه النقاد العرب، ويشير مؤلف كتاب تطور النقد والفكر الى ان جبران والريحاني يثوران على اللغة العربية وقواعدها والعروض والاوزان والبلاغة وفنونها ويرى ان هذا تبرير لضعفهما في اللغة والواقع انه قد مات كل الشعر الذي نشروه في المقتطف وغيره وماتت النظرية نفسها.
اجل، ان الشعر المهجري قد كشف عن زيفه حين انفصل عن قيم الأمة والأدب العربي في البلاغة والاسلوب وكشف ايضاً عن زيفه حين اتصل بقيم الأدب الغربي وفلسفته المادية والاباحيه فأعلى من شأن فلسفة نيتشة المستمدة من الافلاطونية الجديدة ومذاهب الكشف الجنسي وقد برز واضحاً من خلال انتاج هذه المدرسة احتقار القيم والعقائد والروحية مع الدعوة الى الكشف والتعري والاباحة والخصومة للاخلاق والدين. وحاولت مدرسة المهجريين احياء العرقية الفينيقية الوثنية ومهاجمات قيم الأمة الأصيلة الممتدة الى اعماق التاريخ وقد رصد الدكتور محمد زكي العثماوي هذا فقال كان الأدب المهجري محذراً ومغيباً للنفس العربية والعقل عن الجهاد في سبيل مقاومة الغاصب وعاملاً من عوامل الاستسلام في براثن الفكر الغربي والغزو الثقافي.
ومن بين الألوان التي حاول أدب المهجر المستمد من الأدب الامريكي اصلاً ادخالها الى الادب العربي ما اطلق عليه اسم الهمس في كتابات امين شرق ونسيب عريضة والحقيقة ان جميع النماذج التي وصفت بالشعر المهموس انما هي من اللون الذي يشيع فيه الأسى المتهالك المنهوك له دافع مرضي وقد طبع الادب المهجري بطابع مغاير لذاتية الأدب العربي بسبب مصادر المهجريين المتصل بالتوراة والبعيدة عن بلاغة القرآن الكريم وبيان العربية ولان صدوره كان في ظل ادب وايت من الذي ظهر في الأدب الامريكي في العقد الثاني وتأثر به ادباء المهجر.
ولا ريب ان المنفلوطي كان هو الوجه المقابل للأدب المهجري ثم كان هو الوجه الحقيقي للأدب العربي الأصيل الذي انتصر في النهاية وانتهى اليه طابع الأدب العربي ومنه نشأت مدرسة النثر الفني الحديث التي استوعبت الرافعي والزيات والبشري وغيرهم كانت مؤلفات المنفلوطي تظهر في نفس وقت ظهور مؤلفات جبران وكان المهجريون يهاجمونه ويتهمونه لكنه كان يصدر بأصالة عن الأدب العربي الذي يستمد تراكيبه من القرآن الكريم في حين كان المهجريون يستمدون اساليبهم من التوراة المترجمة الى العامية.
*******