سارت حركة الترجمة الى العربية من الآداب الاجنبية الحديثة على نحو طبيعي في اول الامر حين كان الهدف الاضافة البناءة المتخيرة بما تحتاج اليه الامة في مجال العلوم والقانون بيد ان النفوذ الاستعماري الذي يقود مؤسسات التبشير ومدارس الارساليات قد اغرق الادب العربي بكم ضخم من الترجمات الهزيلة الاسلوب، الفاسدة المضمون التي نقلت اسوء مظاهر المجتمعات الغربية واقذر جوانبها فيما يتصل بالفسن والزنا والفاحشة والاثم والتحلل من القيم وامتدت ايادي الانحراف الى شتى الميادين من شعر واراء وعقائد ومذاهب اجتماعية ونفسية وفلسفية على نحو مضطرب ومتناقض هو نابع من البيئة الغربية في تاريخها اليوناني الوثني ومن واقعها المادي المريض بما لا يتناسب وثقافة الأمّة وما تملك من اصالة وقيم ومقومات، ولم تكن هذه الموجة إلا مرحلة مدروسة من مراحل التبشير والغزو الثقافي الذي بدأ من خلال حركة المرسلين الفرنسيين والامريكيين التي قدمت الى بيروت واتسع اثرها لتنتقل عدواها الى سوريا ومصر وسواهما.
الدكتور محمد محمد حسين عرض لاخطار الترجمة عبر نموذجين قدمهما هما كتاب مختارات امرسون وكتاب قصة الحضارة لديورانت، فما هي قصة امرسون هذا؟ الواقع انه كتاب مختارات يحتوي على سموم هي غاية في البشاعة ومن اخطر ما يدعو اليه امرسون دعوته الى رفض النماذج العظيمة الطيبة التي يقدسها الناس كالانبياء والعظماء والابطال ودعوته الى ان ينشق الناس عن السائد المألوف فليس عنده شيء مقدس على الاطلاق وهو يدعو الى الانفلات من كل القيم الاخلاقية والدينية والاجتماعية ومن ذلك محاربته للثبات على الرأي وارادته ان يكون الناس في غاية الانطلاق دونما ايمان ثابت لاي رأي او عقيدة ودونما احساس بالمسئولية والمعروف ان امرسون يهودي صهيوني يتعقب شعائر الدين بالتسفيه والسخرية اللاذعة، فالصلاة عند هذا الصهيوني خالية من الرجولة او الشجاعة بل هي قداسة وتوبة والندم عنده نوع آخر من الصلاة الزائفة وعجز في الارادة والرحمة والعطف لا يقلان عن الندم وضاعة، الى آخر هذه الافكار المريضة المخطط لها في المحافل الصهيونية التي تهدف على القضاء على الدين برمته.
ان هذه الاراء الشيطانية المسمومة حين تترجم في كتب تصدر عن جهات ذات اهمية خاصة مثل جامعة الدول العربية فأنها تكون شديدة المخاطر ذلك ان القاريء العربي الذي لا يعرف من امر هذا الكاتب الصهيوني شيئاً قد يتعثر في هذه الاثار وتفسد عقائده، اما ديورانت فقد عرض تاريخ اليهود عرضاً جذاباً ومشرباً بالعطف والمحاباة وهو ايضاً يهودي الأصل ويعتمد ديوانت اعتماداً اساسياً على المؤرخ اليهودي يوسيفوس وعرض تاريخ اليهود من زوايا تثير العطف والإعجاب في كل مكان من الكتاب في حين يصب ديورانت التهم البذيئة على شخص رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى شخص السيد المسيح (عليه السلام)، ترى ألا يذكرنا هذا كله بالتهم البذيئة الموجهة الى شخصي المسيح وأمه (عليهما السلام) في التلمود الذي يقدسه اليهود اكثر من تقديسهم للتوراة، ألا يذكرنا كلام ديورانت بالمادة الخامسة من خطة الصهيونية السرية التي عرفت فيما بعد بأسم بروتوكولات حكماء صهيون حيث يتحدث عن حكم الجماهير والافراد عن طريق عبارات ونظريات وقواعد للحياة معدة اعداداً ماهراً عن طريق شتى انواع الخداع والحيل وفيه ايضاً وبقدر ما نعلم فإن المجتمع الوحيد الذي يستطيع الوقوف في وجهنا في مضمار هذا العلم هو مجتمع اليسوعيين إلا اننا قد توصلنا الى الحق من قدرهم في نظر الجماهير الحمقى بتوكيدنا لهم انها مؤسسة زائلة في حين وقفنا نحن وراء الكواليس وحرصنا على ان تظل منظمتنا مستترة خفية.
الواقع ان على المسلمين ان يتنبهوا الى ان الاساليب التي استخدمتها الصهيونية في هدم المسيحية ومحو سلطانهم وسلطان رجال الكنيسة من قلوب المسيحيين هي نفس الاساليب التي تتخذها الصهيونية الآن لمحاربة المسلمين وافساد ناشئهم وجماهيرهم وإضعاف سلطان الإسلام في نفوس عامتهم، هذا الاسلوب إنما يقوم على ركائز عدة نذكرها الآن:
الركيزة الاولى: السخرية بعلماء الدين وتصويرهم بصورة الجهلة الجامدين تارة والمنافقين المستغلين لسلطان وظائفهم تارة اخرى.
الركيزة الخبيثة الثانية: اثارة المشاكل الوهمية حول قواعد الاسلام واحكامه ليوهموا ضحاياهم بأنها لم تعد كافية لتلبية حاجات المجتمع.
الحديث الثالثة: ان امرسون يهدم الدين والتدين من الجذور تحت ستار الدعوة الىالحرية والى استقلال الشخصية اما ديورانت فهو يهدمه عن طريق تجريح الرسل والانبياء الكرام وعن طريق اثارة الغبار حول سيرتهم الطاهرة.
الركيزة الماكرة الرابعة: التي اعتمدت عليها الدعوة الصهيونية في تهديم الاديان فهي ان امرسون يسمي المسيحية التي انزلت على عيسي باسم المسيحية التاريخية ويعدد بما يعدد من اخطاءها انها تهتم بشخص المسيح اهتماماً كبيراً، بقول من اجل ذلك صار الناس يتحدثون عن الوحي وكأنه قد اوحي به وانتهى من عهد قديم ثم يستدرج امرسون قارئه الى هدم جميع الاديان.
الركيزة الخامسة: ان امرسون يقرن رسالات الانبياء في كل موضع من كتابه بآراء الفلاسفة والكتاب وبأصحاب المذاهب الضارة الفاسدة فهي في زعمه الباطل غير منزّلة من عند الله بل هي نابعة من عقولهم بعد ان تحرروا من اسر الاراء السائدة في ازمنتهم ولذلك فهو يحض على الاقتداء بهم في الخروج على كل ما هو موقر مقدس مما تقره التقاليد وتقدسه الاديان وهو اي امرسون يدعو الى حريه مخربة تقوم على الغلو المفرط في الفردية وينتهي الى القول بأن يسمح كل انسان لنفسه ان يبني عالماً مستقلاً من القيم لا يستوحي فيه غير خياله واوهامه، ولا ريب ان مثل هذه الاضاليل تؤدي الى قتل الروح الجماعية التي هي اساس كل تماسك اجتماعي ولو سمح لكل فرد ان يبني عالماً مستقلاً من القيم لأ مست مقاييس الخير والشر مقاييس فردية وعندئذ لا يصبح هناك مجتمع.
اما كتاب قصة الحضارة فتسائل مؤلفه ان كان المسيح قد وجد حقاً وهو يثير حول الاناحيل مختلف الشبهات ويشكك في النسب عند المسيح (عليه السلام) وفي انه ولد من عذراء وينكر كل معجزاته ويردها الى خداع الحواس والوهم، وفي الجزء الثالث عشر من هذا الكتاب الضال والمضل تجد اخبث اساليب الكيد والدس للاسلام فالمؤلف لا يلجأ هنا الى الهجوم الصريح لكنه يتظاهر بالانصاف ويدس من خلال ذلك سمومه ومكائده مما سنواصل الحديث عنه في لقاءنا القادم بإذن الله تعالى.
*******