يعتبر الامام موسى الصدر اسما وضاءا في تاريخ طائفة المسلمين الشيعة في الزمن المعاصر والاسلام الذي يرمز للسلام والوحدة والجهاد والدفاع عن المظلوم والتدين الحقيقي. الامام الصدر هو من العلماء الربانيين ورائد المقاومة الاسلامية وله مكانة خاصة عند عموم الطائفة الشيعية الكريمة.
وفي هذا الصدد يقول حجة الاسلام محمد رضا زائري: ان اهم خصوصية للامام موسى الصدر هو اثباته في عالم اليوم بان الدين لم يفقد فعله ودوره وتأثيره، فالامام قام بأداء قال فيه المسيحيون لو كان مقررا ان يعود المسيح (ع) لوجدناه في الامام الصدر.
لقد صب الامام موسى الصدر اهتمامه وتركيزه المبدئي على الرسالة وأداء الدين في المجتمع لادارة شؤون الانسان، فهو في جملته المعروفة "الدين لخدمة الانسان، وليس الانسان لخدمة الدين" يعتقد ان رسالة الدين وعرضها على الانسان هو من اجل ادارة الفرد والمجتمع وهذا التدين يجب ان نرى تاثيره وفوائده في الدنيا وقبل الآخرة.
الامام موسى الصدر هو الذي زرع نبتة حزب الله والمقاومة
عندما ذهب الامام السيد موسى الصدر الى لبنان قام بوضع خطة دقيقة ومنسجمة طوال 20 عاما قضاها في لبنان، حيث يعترف الجميع بأنه هو سبب انبثاق فجر المقاومة وبلورة حزب الله لبنان وهذا الموضوع اشار اليه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي وصف الامام السيد موسى الصدر بـ"المعلم الاول" لحزب الله، لان الامام الصدر جاء لمساعدة الانسان الذي يحتاج الى الهداية الالهية والدينية التي تتجلى في الحياة العملية للفرد.
يقول السيد ابوالحسن الاصفهاني (طاب ثراه) ان الاجتهاد هو "معرفة وادراك النبي (ص)" أي معرفة القرار الذي كان النبي الاعظم (ص) سيتخذه والحكم الذي سيصدره في الاوضاع الراهنة، لقد دخل الامام موسى الصدر الى الفضاء الاجتماعي والجغرافي للبنان بهذا الادراك والفهم وهناك فرق بين ان نعتبره سياسيا ذكيا او نعتبره فقيها، ان كل ما صدر من الصدر كان منطلقا من اجتهاده وفقاهته.
ان الفقيه في اصداره للحكم الشرعي ياخذ الماضي والحاضر والنظرة الى انسانية الانسان والاولويات بعين الاعتبار، فعلى سبيل المثال عندما جاء مسيحي اعتنق الاسلام حديثا للسيد عبدالحسين شرف الدين وتساءل عن اداء الصلاة كلفه السيد شرف الدين بداية باداء صلاة الظهر فقط لانه كان حديث العهد بالاسلام ويجب مراعاته والمرونة معه لكي يعتاد على الاحكام الاسلامية شيئا فشيئا. وهذه الرؤية منطبقة تماما مع تعاليم الامام الباقر (ع) الذي تعامل مع مسلم حديث العهد بالاسلام هكذا ومضى فترة من الزمن حتى يكلفه الامام باداء الفرائض الـ5 كاملة ويأمره بمداومة الصلاة.
ومخلص الكلام هو ان الفقيه يستنتج الاحكام حسب مبادئ وظروف يشخصها بدقة، والامام موسى الصدر حينما احترقت كنيسة في جنوب لبنان وكاد ان يتهم المسلمون باحراقها وهذا كان بمثابة اندلاع الفتنة حضر الى المكان والقى خطابا وقال ان الاموال التي ستجمع لاعمار مسجد هذه القرية يجب استخدام نصفها في اعادة اعمار هذه الكنيسة، وفعل الامام هذا درء الفتنة وتبين لاحقا ان شخصا مسيحيا هو الذي كان قد اشعل الحريق.
وجاءت فتوى الامام السيد موسى الصدر في الوقت الذي كان الكثير من فقهاء النجف الاشرف يعتبرون حتى شراء معجم "المنجد" الذي قام مسيحيي لبنان بنشره، غير جائز شرعا. ان هذا يعود لتشخيص الفرد للظرف الذي يصدر فيه الفتوى ويتخذ موقفا. كما نرى ان سماحة الامام السيد على خامنئي الذي شغل مناصب حكومية مختلفة، عندما يصبح قائدا ووليا فقيها للأمة يصدر حكما كفقيه يختلف عن حكم فقيه آخر عاش في ظروف محدودة.
ان البعض يعتبر الانسان هو الاصل ويعتبره مستقلا عن رب العالمين سبحانه عزوجل ويعتبر الغاية والهدف الحياة المادية والدنيوية لهذا الانسان لكن الاسلام يعتبر "هداية الانسان" هي الغاية والهدف، والاهمية التي تعطى للانسان هنا هي ليست نابعة من الرؤية الدنيوية بل من الرؤية الالهية والقرآنية، والامام موسى الصدر كان يتابع هذه النظرة. وان بعض سوء الفهم تجاه رؤى وافكار الامام الصدر هو نابع من تفاوت بعض العبارات والمصطلحات التي استخدمها.
وخلافا لرؤية البعض الذين يعتبرون ان مدة صلاحية الدين الاسلامي قد انقضت، كان الامام الصدر يعتقد ان الدين لم يفقد تاثيره وجدواه، ان الامام الصدر بجهاده المستمر وصبره وجهده وحضنه المفتوح ودون لحظة استراحة وبيقظته ودقة نظره ومداراته ومحبته، سطر سيرة مشرقة قال المسيحيون بشأنها انه لو كان مقدرا للمسيح (ع) ان يعود لكنا نراه في قامة الامام الصدر وعندما نلتقيه كأننا نرى المسيح (ع).
ان نهج الامام موسى الصدر المأخوذ من منهل تعاليم أهل بيت العصمة والطهارة (ع) يثبت بان الدين لايزال حيا وينطق في الزمان والمكان ولا حاجة للجيل الجديد وعالم اليوم بوضع الدين جانبا وتجاهله.