تعرض البيان القرآني في ظل منهج النقد الادبي الغربي الى اخطار عديدة وقد حمل لواء هذا المنهج المعادي كل من احمد ضيف وطه حسين وزكي مبارك وسواهم من التابعين المقلدين لقادة الغزو الثقافي والتمييز الحضاري من مبشرين ومستشرقين، وقد تعرفنا في اللقاء السابق عن محاولات طه حسين الذميمة في هذا المجال والان دعنا نتعرف على وجه ذميم آخر من وجوه التغريب المنسلخة عن الاصالة الاسلامية وعن الهوية الاصيلة التي بناها الاسلام، هذا اذن وجه زكي مبارك اكبر تلاميذ التالف طه حسين، فماذا نطالع في هذا الوجه؟
في كتابه النثر الفني ردد الدكتور زكي مبارك ما كان يردده استاذه الدكتور وتابعه في اغلب اراءه وشطحاته في مختلف كتاباته وان اختلف معه في مسائل فرعية، الاستاذ محمد احمد الغمراوي كشف انحرافات كتاب النثر الفني كما كشف من قبل انحرافات كتاب الادب الجاهلي لطة حسين، يقول زكي مبارك في مسار الدعوة الى نقد القرآن بوصفه اثراً ادبياً: «انما النقد ان يقف الباحث امام الاثر الادبي موقف الممتحن للمحاسن والعيوب من اجل ذلك وسم اكثر ما كتب عن القرآن بأسم الاعجاز لان النقاد اطمأنوا الى ان القرآن هو المثل الاعلى الذي تقف عنده حدود الطبيعة الانسانية في البلاغة والبيان» وقد علق الغمراوي على ذلك: ان معنى هذا ان زكي مبارك يعيب على علماء العربية انهم حين تعرضوا لنقد القرآن ولم يذكروا الا المحاسن فنقدهم من اجل ذلك في رأيه بالنقد غير الصحيح، النقد عنده ان يقف الباحث امام الاثر الادبي موقف الممتحن للمحاسن والعيوب وهذا صحيح ولكن في نقد كلام الناس لا كلام الله، ولو كان القرآن الكريم كلام بشر لكان اثراً ادبياً لصاحبه ولجاز ان يكون بأزاء المحاسن عيوب يبحث عنها النقاد اما وهو كلام خالق البشر انزله سبحانه وتعالى هداية ومعجزة لرسول الله وتحدى به كل شاك من العرب وغير العرب بل تحدى به الجن والانس على اختلاف العصور فكيف يمكن ان يقف الناقد امامه الا كما يقف الناقد امام آية من آيات الله في الارض والسماء، وحين درس علماء العربية ونقاد الكلام ايات الله في القرآن العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فلا توقعوا نقصاً ولم يروا عيباً ولم يجدوا الا كمالاً وجمالاً وجلالاً واعجازاً، عرض بهم زكي مبارك ولمزهم فقال: «انهم لم يذكروا الا المحاسن وكأن هناك بجنب المحاسن عيوباً كان عليهم ان يذكروها والا كانوا غير نقاد». اجل ان العهد الذي كان ينظر فيه في القرآن نظر طلب العيون الذي اسس اساسة الاعداء المستشرقون والخاضعون لاهواءهم، هذا العهد ولى بالفعل ولى الى غير رجعة، والذين نظروا في القرآن تلك النظرة التي ينظر اليها زكي مبارك الآن من العرب الاقدمين كانوا اقدر منه الف مرة على ادراك عيب واحد لو وجدوه وكانوا ابصر لنقد الكلام لانهم كانوا اهل العربية الفصحى وضعوها ودرجوا عليها ونشأوا فيها واحكموها شباباً وشيباً، رجالاً ونساءاً فكانوا يصدرون منها عن بصيرة سيما لا يمكن ان يصدر زكي مبارك او يبصر فيها.
يحاول زكي مبارك ان يعتبر القرآن اثراً جاهلاً اذ جاء بلغته وتصوراته وتعابيره يعطي صورة في النثر الجاهلي، ويريد هذا الدكتور الكاتب ان يثبت قدم النثر الغني عند العرب انكاراً لما يقوله المستشرقون من ان النثر الفني جاءهم من الفرس واليونان، والواقع ان مبارك هذا يريد ان ينفي عن العرب تهمة اخذ النثر عن الفرس واليونان فلا يجد سبيلاً لهذا الا ان يسلبهم القرآن كتاباً من عند الله ليرده اثراً جاهلياً يثبت لهم ذاتية ادبية، افترى هذا الكاتب يرى القرآن من عند الله ام من عند العرب، اذا كان من عند الله فكيف يمكن ان يثبت به للعرب ذاتية ادبية كالتي اراد وليس منه للعرب حرفاً واحد واذا كان اثراً جاهلياً يثبت به قدم النثر الفني فكيف يمكن ان يكون من عند الله؟
ويتابع زكي مبارك ما رسمه المستشرقون في معاداة الاسلام والقرآن اذ يرى ان القرآن كتاب طبيعي مملوء بالزخرف اللفظي والصنعة الفنية المحكمة وان على الباحثين ان يحدثونا عن الصلات الادبية والاجتماعية التي وصلت الى العرب من الخارج فأعطت نثرهم تلك القوة وذلك الزخرف اللذين تراهما مجسمين في القرآن، هناك نعرف بالبحث أكان القرآن صورة عبقرية ام تقليدية؟ هذا الكلام لا يقبل شكاً، ان هذا الكاتب المولع بالغرب يرى ان القرآن من كلام العرب تأثر بما تأثروا به وهو ينسب الى القرآن العبقرية وهي بشرية بلا ريب، ثم يشكك في هذه العبقرية وتشكيكه في العبقرية وتجويزه ان يكون القرآن قد قلد النثر الجاهلي او الاجنبي دليل قاطع على انه لا يرى القرآن من كلام واهب العبقرية وفاطر الانسان ولكن من كلام بشر مشكوك في عبقريته، وهذا ينبأ عن عمى البصيرة والجهل الكبير الذي كان يعيش فيه تلميذ المستشرقين والمتابع للمبشرين الصليبيين. ويستبد بزكي مبارك غروره الاجوف وجهله المنفوخ بالوهم فيذكر ان القرآن كتاب صلوات مثل الكتب المقدسة المتداولة فهو يقول: «والقرآن نثر جاهلي والسجع قد يجري على طريقة جاهلية حين يخاطب العقل والوجدان، وقد وضع القرآن للصلوات والدعوات ومواقف العناء والخوف والرجاء ستوراً مسجونة تماثل ما يرتله المتدينون من النصارى واليهود والوثنيين والقرآن وضع لاهله صلوات وترنيمات تقرب في صيغتها الفنية مما كان لاهل الكتاب من صلوات وترنيمات والفرق بين الملتين يرجع الى المعاني ويكاد ينعدم فيما يرتبط بالصور والمعاني والاشكال وذلك ان اهل الديانات الثلاثة الاسلام والنصرانية واليهودية يرجع الى مهد واحد هو الجزيرة العربية». وانت ترى كيف يغالط هذا الكاتب الموهوم وكيف يصرح غلطاً واشتباهاً تاريخياً بيناً ان الجزيرة العربية هي مهد الديانات الثلاث، وكلامه عن الصلوات والتماثل بين القرآن والكتب المقدسة يدل على انه لن يعرف القرآن ولا الكتب المقدسة بل هو يرسل كلامه ارسالاً لا برهان له ولا دليل عليه وكأنما يريد من الناس ان يتركوا عقولهم ويتابعوه فيما يقول متابعة الاعمى كما تابع هو اسقاط المبشرين ومرضى المستشرقين. ان الجهل والغرور هو ما كان يتحرك في داخل زكي مبارك فيكتب ما يكتب ويذيعه للناس، وقد بلغ من غروره انه حصل على شهادة الدكتوراه من القاهرة ثم سافر الى باريس اعطاه المستشرقون شهادة دكتوراه ثانية فكان هذا الرجل اذا تحدث عن نفسه يقول نحن الدكاتره زكي مبارك وكفى بهذا شاهداً على لوثة العقل.
*******