ذلك هو مفتاح شخصيَّة الحسين (ع). إنَّ الحسين (ع) عندما انطلق، انطلق من أجل أنَّ الله سبحانه وتعالى يريد منه أن ينطلق، وهو عندما كان يجاهد ويقاتل ويعاني ويتحمَّل كلّ ما يتحمَّل في سبيل الله، لم يكن يشعر بالألم، وإنَّما بالبهجة والرّضا، لماذا؟ لأنَّ الله يراه وهو يضحّي، ولأنَّ الله يراه وهو يُجاهِد، ويراه وهو يقاتل.
هذا الشعور العميق بالله الذي يهزّ وجدان الحسين كلّه (ع) وضميره كلّه، هذا الشعور بالله الذي يجعل الحسين (ع) إنساناً لا يشعر بأيّ مجالٍ للمأساة لتنفجر عاطفته في أيّ نوع من أنواع الكلام الحزين.
إنّه موقف نحتاجه في حياتنا العمليَّة، وفي مجالنا الرسالي الَّذي نتحرَّك ضمنه، وعندما نجاهد في سبيل الله، نتحمَّل الاضطهاد والعذاب والآلام، وعندما نقف مواقف الخطر، وعندما نسير في أيّ مجال من المجالات الَّتي تفرض علينا أن نضحّي بالغالي وبالنَّفيس، أن نقف لنقول: " هَوَّن ما نَزَلَ بي أنَّه بعين الله" أن تشعر بأنَّ الله يراك ويراقبك ويشاهدك ويلاحق خطواتك، وأنّك في الطريق الصحيح، والله يراك في الطَّريق الصَّحيح.. أن تعيش هذا الشعور، عند ذلك تزداد قوّةً وتزداد إيماناً وتزداد حياة.
نحتاج أنْ نتعلَّم من الحسين (ع) هذه الروح التي نكتسبها بالمعاناة والتربية والتفكُّر في الله سبحانه وتعالى، وتتعلَّمها بالشعور بأنَّ هدفك في الحياة رضى الله ولا شيء غيره، عند ذلك تستطيع أن تسير في مراحل حياتك كلّها على الخطِّ المستقيم ولا تنحرف في أيّ مجال، لأنَّ الله يراك، ولأنّه لا يريد منك أن تنحرف في قليل أو في كثير.
هذه بعض المواقف التي نستطيع أن نقف أمامها لنفكِّر فيها في أجواء كربلاء.
إنَّ علينا أن ننطلق مع عاشوراء من أجل أن تعطينا تجربة جديدة، ومن أجل أن تصحِّح لنا موقفاً، ومن أجل أن تعدِّل لنا طريقنا، في كلّ مجال من مجالات الحياة.
من كتاب "آفاق إسلاميّة"
السيد محمد حسين فضل الله