كان الضوء الالهي ما يفتيء يعرف الناس بخصوصيات علي (سلام الله عليه) من خلال وقائع ومواضع تستعصي على الحصر في طي حركة الرسالة المحمدية الكريمة، فأمر الله عزوجل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يسد جميع ابواب الصحابة المشرعة على المسجد الا باب علي، وعند بناء قبا لن تسر الناقة بأحد من الصحابة الا بأمير المؤمنين علي، وقال النبي في مشهد من كانوا حوله ان الناقة مأمورة، وفي ميدان الحرب ما ناجى النبي احداً غير علي، وفي منزل الرسول اخرج الله اناساً وادخل علياً، وفي وقعة خيبر ما اخذ الراية وفتح الله على يده سوى الامام علي (عليه السلام).
ان هذه الوقائع المشهودة الكثيرة تدل حركتها على ان هناك ضوءاً محدداً على شخص محدد، وهذا الضوء يريد ان يوجه ثقافة مثل توجيه الاهي واضح في القيادة والولاء ومصدر اخذ الدين. خلال الحديث الذي عرف بعدئذ بحديث الدار جمع النبي عشيرته في اوائل البعثة بمكة في وليمة اقامها ثم قال لهم: ايكم يبايعني على ان يكون اخي وصاحبي ووارثي فلم يستجب له احد فقام علي وكان اصغرهم سناً فبايعه على ذلك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ان هذا يعني علياً اخي ووصي وخليفتي فيكم فأسمعوا له واطيعوا، روى الخبر في آثار متفاوتة لكل من ابن حنبل وابن جرير والطحاوي وابن كثير وصاحب كنز العمال وسواهم.
وكان يزار هؤلاء العشيرة الاقربين بمثابة المقدمة الاولى لا لقاء الضوء على علي بن ابي طالب في مركز الدائرة الضوئية العلوية التي ارادها الله ان تتسع يوماً بعد يوم وهو اتساع لحركة الرسالة في امتدادها القدسي. اتسع الضوء يوم المباهلة ويوم الكساء ويوم آية التطهير ويوم سد الابواب الا باب علي واتسع الضوء يوم ان دعا الكتاب الكريم الى مودة ذوي القربى ودعا الى سهم ذوي القربى ايضاً وما زال الضوء يتسع ويمتد حتى جاء اليوم الذي اعلن رسول الله منقبة متفردة لعلي، وهذه المنقبة وشيجة الصلة لحركة الرسالة وبالتمييز بين اهل الهدى وخط النفاق اللابس عباءة الاسلام روى مسلم عن علي قال «والذي فلق الحبة وبرء النسمة انه لعهد النبي الامي الي ان لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق». في هذه المنقبة نرى ان محبة امير المؤمنين علياً (عليه السلام) هي الفارق بين الايمان والكفر اي المتلبس زوراً بأسم الاسلام وهذه المنقبة هي عين المواجهة بين الرسالة وبين دائرة النفاق الذي هو اخطر اعداء رسالة الله جل جلاله.
ظلت دائرة الضوء العلوي تتسع وكان يوم تبوك وعزم التيار التخريبي على اغتيال رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله) وعلى افتتاح مسجد الضرار وفتح الطريق امام الغزو الخارجي الكافر الذي تحمل اعلامه جيوش قيصر، في هذا الجو كان من خطة حركة النفاق ان لا يظل علي بن ابي طالب في المدينة، ارادوها ان تخلو منه فيصنعوا ما عزموا عليه فأستخدموا اسلوب الحرب النفسية ضده عندما علموا ان النبي سيخلفه على المدينة، في هذا السياق قال النبي لعلي، اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انك لست بنبي، انه لا ينبغي ان اذهب الا وانت خليفتي. وفي رواية ابن عاصم انه لا ينبغي ان اذهب الا وانت خليفتي في كل مؤمن ومؤمنة. اجل اثبت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعلي (عليه السلام) منزلة هارون، فماذا تعني منزلة هارون؟
قال الله تعالى: «وَلَقَدْ جَاءَكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ» الآية الكريمة تخبر ان موسى (عليه السلام) جاءهم بالبينات واتخاذهم العجل من بعده كان استمراراً لفعلهم او في الحقيقة اتخذوا العجل في حياة موسى وهارون (عليهما السلام) كان عليه شعاع من الضوء في حياة اخيه موسى (عليه السلام).
وقبل ذهاب موسى لميقات ربه قال لاخيه كما اخبر تعالى «قَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ» فهارون (عليه السلام) نبي وخليفة، «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي» والشعاع الذي حل بعلي بن ابي طالب يستوعب منزلة الخلافة التي تقلدها هارون وذلك بنفس الحديث لكنه لا يستوعب منزلة النبوة لانه لا نبوة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). واصحاب مسجد الضرار نصبوا العجل في دائرته ولما حاول هارون استضعفوه، قال هارون (عليه السلام) كما اخبر تعالى: «الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي» ولان القاعدة الاساسية في دين الله انه لا اكراه في الدين وان الله غني عن العالمين فأن هارون اقام عليهم الحجة اعتدل هو وآمن هو ومن معه، وبعد عودة موسى قال لاخيه كما اخبر تعالى، قال: «يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي، قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي».
لقد عمل هارون من اجل المحافظة على الرمز والشعار الاسلامي، وكفى به مضاداً لمظاهر معابد الضرار، اما موسى (عليه السلام) فكان له رأي فيهم بعد ان خرج على خط الخلافة الذي حدده، قال لهم فيما حكى الله عزوجل: «قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ» ثم دعا موسى ربه قال: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ»، اما الذين اتخذوا العجل فقضى ربهم الجزاء العادل بعد ان اشربوا في قلوبهم حب العجل، قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ»، هذه اذن منزلة هارون اخ موسى (عليهما السلام) وعلى هذا يجب ان تقاس منزلة علي بن ابي طالب اخ رسول الله كما جاء في الحديث الصحيح قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي: «انت اخي وانا اخوك فأذا ذكرك احد فقل انا عبد الله واخ رسوله لا يدعيها بعدي الا كذاب» اجل ان موسى (عليه السلام) في اول الايام تلقى كلمات ربه سبحانه وخلف اخاه هارون بعده على قوله ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في البعثة الخاتمة ذهب ليضرب من اجل كلمة ربه وخلف اخاه علياً بعده على قومه، وبعد عودة موسى ابلغة هارون بالاحداث فأحرق العجل وننسفه في اليم نسقاً وبعد عودة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) احرق مسجد الضرار، وبعد موسى جرى حب العجل في الدماء، وبعد محمد (صلى الله عليه وآله) جرت الريبة في قلوب الذين اتخذوا المسجد ضرار، ولله في خلقه شؤون.
*******