وأجرت مراسلة وكالة "إكنا" للأنباء القرآنية الدولية في لبنان الإعلامية "ريما فارس" حواراً مع البروفيسور الأب "يوسف مؤنس" الذي شغل المناصب العديدة في لبنان.
وبدأ الأب "يوسف مؤنس" حديثه بالإجابة عن الدافع الذي جعله يكتب عن شخصية الامام الحسين ـ عليه السلام ـ قائلاً: أولاً نحن عندما ندرس تاريخ الحضارات وتاريخ الفكر والأديان والمذاهب في جميع العالم نعلم أن هناك حصةً كبيرةً للتاريخ الإسلامي والقضايا الإسلامية، مبيناً أن مأساة الحسين ـ عليه السلام ـ هي جزء أساسي من تاريخ وفكر الحضارة الإسلامية.
وأضاف: "من هنا تعرفت عليه وقرأت عنه وعن هذه الفاجعة والمأساة الكبيرة وعن الدوافع التي جعلته ينتفض ويقف بوجه الظلم والفساد والرذيلة وأيضاً كيف وقف مطالباً بالحق ومدافعاً عنه وعن الحقيقة أمام جحافل كانت تقف بوجهه، لم يخف بل تحدى قوة الظالمين والفاسدين ووقف يطرح قضية الحق وثورة الطهارة والنقاء على الفساد هذا الذي جعلني أتأثر بهذه الشخصية الكبيرة في تاريخ الفكر الإسلامي وتاريخ الحضارة الانسانية، إنها ثورة إنسانية كبيرة حدثت في منطقتنا وفي عالمنا وفي محيطنا".
وتابع حديثه إن "تعاليم ثيولوجيا والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا ترفض البقاء في هذه الفاجعة ويجب أن يتأسس منها حضارة جديدة كما أسست جميع الفواجع لحضارات كبيرة في تاريخ الإنسانية".
واستطرد مبيناً: "العناصر التي جذبتي ودفعتني إلى الكتابة تلك الصحراء، والبعد عن المياه، والخوف على الأحباء والأبرياء والنساء والأطفال وأيضاً مشاركة الأديان بالأخص وجود المسيحي "جون" مع الإمام ووقوف العريس إلى جانبه هذا نوع من الفدائية الكبيرة، له جماليته وله حزنه إذ تجسد في واقعة محزنة".
وأشار إلى "الأنثروبولوجيا" المهمة في الواقعة وهي عندما رفع الإمام ولده وقال "اللهم تقبل منا هذا القربان".
وأضاف أن قرب هذا الرجل من المياه ومنعه من الوصول إليها وشنّ الحرب عليه، وأخذ النساء سبايا على طول محيط الصحراء تعتبر من العناصر المأساوية الكبيرة التي حصلت في واقعة كربلاء، وجعلتني أتعاطف معها ومع الحق وأرفض الظلم كما رفضه الوجه الكبير "الحسين عليه السلام" .
وفي معرض حديثه عن كلمات الإمام ـ عليه السلام ـ وتوافقها مع شخصيته، أجاب: "كل الكلمات التي قالها الإمام ـ عليه السلام ـ توافقني ومنها "ما خرجت ظالماً خرجت للحقيقة" هذا خروج جميع الثائرين وجميع المصلحين خرجوا من وضعهم الإجتماعي ومن محيطهم وذهبوا يكافحون ضد الظلم هذا الخروج له معنى "أنثروبولوجيا" كبير وهو أن تخرج من مجتمعك تخرج من جغرافيتك تخرج من عائلتك من قبيلتك من عقليتك وتذهب الى المحيط الكبير المفعم بالفكر النقي والحق الثائر الذي لا يقبل الذل ولا يقبل الظلم ولا الانكسار. هذا الشيء مهم جداً وهذه الأقوال خالدة بقيت تتردد على مدى العصور".
وتابع كلامه مشيراً إلى أكثر جملة ما زالت حاضرة في ذهني، والأقرب الى قلبي، عندما رفع "الحسين عليه السلام" ابنه الرضيع، قائلاً: "اللهم تقبل مني هذا القربان" إنه فعل قرباني كبير هذا الفعل يتوافق معنا في القداس المسيحي (اللهم تقبل قربانك) انه فعل هام جداً فيه من الخضوع والتسليم والمحبة والجرح العميق والألم والأسى، ولكن أيضاً فيه من الحب والتسليم لإرادة الله وهذا الشيء كبير يتبعني وأحبه ومعظم القضايا أحبها لكن هذا الشيء مهم بالنسبة الي.
وفي سؤاله عن نظرته للمجالس الحسينية؟ قال: المجالس تروي القصة (الواقعة) لكن مع كل جماليتها ومأساتها ووجعها وحنينها لا أحب البكاء فيها وخاصة عندما يغير الرواي صوته لتتأثر الناس به، هذا لا أحبذه يجب أن تكون الواقعة مرآة للفرح والتأسيس لحضارة جديدة وفكر جديد.
وفي ختام المقابلة ذكرت بعض كلمات من رسالة الأب "يوسف مؤنس" (كربلاء أو التأسيس على التجديد) كتبها في مناسبة ذكرى "عاشوراء" معلقاً فيها: "أنا وأنتم وجهٌ كربلائي مدمَّى. كلٌّ منَّا بريء. فوق رمال الصحراء أو على صخور الجبال. هذه الآفاق الإنسانية الجديدة تعني الناسَ جميعاً. إنها مادةُ تواصُل فيما بينهم لانتصار المحبة على الحقد. الاختبار المسيحي لا يمتلكه المسيحيون وحدهم، والاختبار الحسيني لا يمتلكه الحسينيون وحدهم؛ بل إنه مدار يتسع للجميع في الانتصار على المحاصرة الإرهابية ضد الحق في تطويق الحرِّ على أرض معزولة. فنتعلم في عِبْرة إنسانية أن الحق سينتصر، وكلما اشتدت الأمور يتألق وجهُنا كوجه الحسين".
وتجدر الاشارة الى أن "البروفيسور الأب يوسف مؤنس" هو أستاذ علم الاجتماع والانتربولوجيا، وأستاذ علم وسائل الإعلام والاتصال، والأستاذ في قسم علم النفس في كليّة الآداب في الجامعة اللبنانية، ورئيس مختبر الانتربولوجيا في معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، ومؤسس كلّية الطب وكلية الهندسة والمعلوماتية ومعهد البيئة، وقد أسس كليّة الفنون الجميلة في جامعة الروح القدس وتسلّم عمادتها، وعيّن رئيساً لجامعة "الروح القدس" اللبنانية.
كما عيّن عميداً لكليّة الآداب في جامعة الروح القدس، وقد أقام الأب مونّس أهم المعاهدات الأكاديمية مع الجامعات الغربية والعربية، والتعاون الأكاديمي وتبادل الأساتذة والطلبة والأبحاث، و ترأس الأب مونّس قسم هندسة الكنائس في اللجنة الطقسية المارونية.
وعيّن الأب يونس مؤنس أميناً عاماً للجنة الأسقفية لوسائل الإعلام ورئيس قسم الصحافة وعضو شرف في الاتحاد العالمي للصحافة الكاثوليكية.