البث المباشر

موقف الصحابة والتابعين من مسير الإمام الحسين (ع) إلى الكوفة

الأربعاء 3 أغسطس 2022 - 12:17 بتوقيت طهران
موقف الصحابة والتابعين من مسير الإمام الحسين (ع) إلى الكوفة

تشير الروايات التاريخية أن موقف الصحابة والتابعين من مسير الإمام الحسين "عليه السلام" نحو الكوفة كانت متباينة حسب اجتهاد كل واحد منهم

حفلت إقامة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب "عليهما السلام" بمكة المكرمة بوجوه اجتمعت به، وتحدثت إليه، وعرفت هدفه الذي جاء من أجله والغاية التي أخرجته من المدينة، وهي متجهة به نحو العراق، وان محله الكوفة حيث شيعته وشيعة أبيه، وكان هؤلاء بين ناصح له ومعترض على أمر لا تعرف نتائجه، ومع قوم كان لوالده تجربة مرة معهم، وذاق أخوه بعضا من مرارتها.

وتشير الروايات التاريخية أن موقف الصحابة والتابعين من مسير الإمام "عليه السلام" نحو الكوفة كانت متباينة حسب اجتهاد كل واحد منهم ومن أبرز هذه المواقف على سبيل المثال لا الحصر:

1-نصيحة أخيه محمد بن الحنفية

كان محمد بن الحنفية أول الناصحين، وفي مقدمة المنبهين، وحث الامام الحسين "عليه السلام"  بالتوجه نحو اليمن بدلاً من العراق، وهو لم يكتف بما أسداه من نصح في المدينة، بل تابع مسيرة  الامام الحسين "عليه السلام" الى مكة، وآخر لقاء جمعه بالإمام "عليه السلام" قبل توجهه الى العراق بليلة واحدة حذره من غدر أهل الكوفة قائلا: "... يا أخي إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى فان رأيت إن تقيم فانك أعز من في الحرم وأمنعه".

فكان جواب الامام الحسين "عليه السلام": " يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد في الحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت فنصحه ابن الحنفية أن يسير نحو اليمن أو بعض نواحي البر"([1]).

ينبغي أن نشير هنا الى، ان الامام الحسين "عليه السلام" قد كتب وصيته الى أخيه محمد بن الحنفية قبل خروجه موضحاً فيها غايته وأهداف اعتراضه والتي يمكن أن تعد البيان الأول للثورة الحسينية ومنها:" اني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن ابي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بقبول الحق" ([2]) .

والذي منعه من الانضمام إلى الركب الحسيني هو شدة المرض الذي أنتابه وذلك بقوله:" ان والله ليحزنني فراقك وما أقعدني عن المسير معك إلا لأجل ما أجده من المرض الشديد فوالله يا أخي، ما أقدر أن أقبض على قائم السيف ولا كعب رمح فو الله لا فرحت بعدك أبدا"([3]).

2- رأي عبد الله بن عباس

لم يختلف ابن عباس في النصح والتحذير عن محمد بن الحنفية  قائلاً " أخبرني رحمك الله أ تسير إلى قوم قد قتلوا أميرهم وضبطوا بلادهم ونفوا عدوهم؟ فان كانوا قد فعلوا ذلك فسر إليهم وإن كانوا إنما دعوك إليهم وأميرهم عليهم قاهر لهم وعماله تجبي بلادهم فإنما دعوك إلى الحرب والقتال ولا آمن عليك إن يغروك ويكذبوك ويخالفوك ويخذلوك وان يستقروا إليك فيكونوا أشد الناس عليك"([4]).

وتابع قوله: "... فان كان أهل العراق يريدونك كما زعموا فاكتب إليهم فليقوا عدوهم ثم أقدم عليهم، فان أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن فان بها حصونا وشعابا وهي أرض عريضة طويلة وتبث دعاتك فاني أرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية"([5]) .

مما سبق يبدو واضحاً، ان ابن عباس عرف الداء وشخص الإمام الحسين "عليه السلام" أدوائهم مشيراً ومحذراً من القوم والركون إليهم، فكان جواب الامام الحسين"عليه السلام" " والله يا ابن عم لئن اقتل بالعراق أحب إلي من إن أقتل بمكة وما قضى الله فهو كائن ومع ذلك استخير الله وانظر ما يكون"([6]).

وفي ضوء هذا يمكن تفسير إصرار الإمام "عليه السلام" على التوجه الى العراق مبعثه عاملان: رسائل أهل الكوفة التي شكلت حجة عليه في وجوب الاستجابة لهم، والأخر هذا الحشد الكبير الذي ضم أهل الكوفة، خصوصا بعد وصول رسالة مسلم بن عقيل إليه تخبره بأن عدد المبايعين له بلغ ثمانية عشر ألفا، وهذا واضح من جوابه لابن عباس: " يابن عم إني لأعلم انك لي ناصح وعليَّ شفيق ولكن مسلم بن عقيل كتب إلي بإجماع أهل المصر على بيعتي ونصرتي"([7])، ودعوته للثورة والتغيير وإعادة الحقوق الى أصحابها.

وما يجدر بالملاحظة، ان ابن عباس لم يستطع النصرة والتوجه مع الامام الحسين "عليه السلام" بالرغم من محبته له، وحرصه على السير معه، والانضمام لركبه، بسبب ضعف بصره، ووهن قوته، فاكتفى بالنصح والتحذير([8]).

3-نصيحة عبد الله بن جعفر

اظهر عبد الله بن جعفر الموقف نفسه وأبدى نصحه محذراً من نتائج هذا المسير وعواقبه في رسالة أرسلها عقب خروجه من مكة قائلا " اما بعد فاني أسالك بالله لما انصرفت حين تنتظر في كتابي فاني مشفق عليك من الوجه الذي توجه له أن يكون فيه هلاكك."([9]). وما يؤكد ذلك ابن اعثم  في كتابه "الفتوح الفتوح" اذ ان عبد الله بن جعفر أرسل تلك الرسالة من المدينة بعد انتشار الخبر في المدينة بان الامام الحسين "عليه السلام" يريد الخروج إلى العراق([10]).

والملفت للنظر أن الإمام الحسين "عليه السلام" كان جوابه :" يا ابن عمي لو كنت في حجر هامة من هوام الأرض لأستخرجوني وقتلوني"([11])، بعبارة أكثر صراحة ووضوحاً، إن هذه الرسالة التي كتبها عبد الله بن جعفر فيها أمران ، كان الاول هو إن تحرك عبد الله بن جعفر جاء متأخرا، وان عبد الله كان يأمل من خلال الوساطة إن تتحقق المتاركة بين السلطة والامام الحسين "عليه السلام" ، لذا فقد رد الامام "عليه السلام" على هذا الوهم بأنه ما لم يبايع يقتل لا محالة، ولا يخفى إن الامام الحسين "عليه السلام" لم يخرج لفقده الأمان بل لطلب الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

مما تقدم يبدو واضحاً، ان الروايات التاريخية كعادتها لم تبين الأسباب التي دفعت عبد الله بن جعفر إلى هذا الموقف، الا أن ما ذكره العلامة جعفر النقدي في كتابه الموسوم "حياة زينب الكبرى"  إن ابن جعفر كان مكفوف البصر مما حال دون التحاقه بركب الحسيني([12]).

4- مشورة أبي سعيد الخدري

ولم تختلف مشورة أبي سعيد الخدري عن عبد الله بن جعفر محذره ومنذره، بأن لا يركن الى أهل الكوفة، ولا أن يثق بمن كتب له، فهم ليسوا بأصحاب ثقة، فلطالما خبرهم أبوه من قبل وعرفهم وذلك قوله:" يا ابا عبد الله إني لكم ناصح واني عليكم مشفق وقد بلغني انه قد كاتبك قوم من شيعتك بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم فلا تخرج إليهم فاني سمعت أباك بالكوفة والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني"([13]).

بحكم هذه الحقائق يتبين أن الامام الحسين "عليه السلام" لم يكن توجهه إلى الكوفة أشرا ولا بطرا، وإنما كان بفعل الكتب والرسائل التي حملته مسؤولية كبيرة أمام الله "عزوجل". من جهة أخرى ان الكوفة  تعد أفضل منطقة للصراع القادم بين الامام الحسين "عليه السلام" ودولة بني أمية من الناحية الإعلامية، وهو بخلاف مكة المكرمة حيث يقتل ويغطى الحدث إعلاميا حين تضع السلطة تبعة قتله على قاتل مجهول أو تمسك به فيقاد فيضيع كل شيء كشأن كثير من الأحداث على شاكلة هذه.

*جعفر رمضان

------------------------------------------

([1]) رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر ابن طاووس، الملهوف على قتلى الطفوف، (النجف: المطبعة الحيدرية، بلا، ت)، ص27 .

([2] ) أبو محمد احمد بن اعثم الكوفي ، مقتل الحسين وقيام المختار، (قم، أنوار الهدى، 1421هـ)، ص32.

([3])محمد مهدي الحائري، معالي السبطين في أحوال الحسن والحسين، (قم: منشورات الشريف الرضي، بلا، ت)، جـ1، ص230 .

([4])أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم(مصر، دار المعارف، 1961م)،  جـ5، ص383.

([5])أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي، ترجمة الإمام الحسين "عليه السلام"، تحقيق: محمد باقر المحمودي(بيروت :مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، 1996)، ص204.

([6])أبو محمد احمد بن اعثم الكوفي ، الفتوح الفتوح، تحقيق: علي شيري، (بيروت، دار الأضواء،1991م)، جـ5، ص72.

([7])أبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، (بيروت: دار الكتاب العربي، 2004م)، جـ3، ص69.

([8])أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، اختيار معرفة الرجال، تحقيق، مير داماد وآخرون(قم، مؤسسة آل البيت،1404هـ) ، جـ1 ، ص272.

([9])أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، المصدر السابق، جـ5، ص387-388.

([10]) ابو محمد احمد بن اعثم الكوفي ، الفتوح الفتوح ، جـ5 ص74.

([11]) ابو محمد احمد بن اعثم الكوفي ، الفتوح الفتوح ، جـ5، ص74.

([12])جعفر بن محمد النقدي،  حياة زينب الكبرى، ( النجف: المطبعة الحيدرية، 1361هـ) ، ص87.

([13])كمال الدين عمر بن احمد بن أبي جرادة الحلبي ، ترجمة الإمام الحسين من كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب، تحقيق، محمد  الطباطبائي، (قم: مطبعة تكارش،1423هـ)، ص112 .

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة