خص الله سبحانه وتعالى طائفة من اصفياءه للطهر بالظاهر والباطن في قوله عزوجل من سورة الاحزاب «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»، اما من هم الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً؟ روى مسلم في صحيحه ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج غداة وعليه مرط مرحل من شعر اسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» وفي اسباب النزول ان الاية الشريفة نزلت في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (سلام الله عليهم) لا يشاركهم فيها غيرهم وهذا الحديث اعني حديث الكساء ثابت في كتب الامة بجميع دروبها ومذاهبها والروايات كثيرة تزيد على سبعين حديثاً يربو ما ورد منها من الطرق السنية على ما ورد من طرق الشيعة فقد رويت في المصادر السنية بطرق كثيرة عن ام سلمة وعائشة وابي سعيد الخدري وسعد وواثلة بن الاصقع وابي الحمراء وابن عباس وثوبان وعبد الله بن جعفر والحسن بن علي (عليه السلام) في قريب من اربعين طريقاً.
تدل السيرة النبوية ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يكرر جوابه على من يسأله اكثر من مرة وربما كرر الجواب ثلاث مرات او سبعاً وكان يتحدث بالحديث الواحد في اكثر من موطن وذلك ليحقق الاستماع والانصات والفهم لمن حوله، كي يبينوا لمن لم ير او لم يسمع والاعلان (صلوات الله وسلامه عليه) ان من نزلت فيهم آية التطهير هم اهل بيته المطهرون، تم في اكثر من موضع ان يعلم الناس ان هؤلاء في عرف القرآن هم اهل البيت وآية التطهير نزلت في بيت ام سلمة ومن بيت ام سلمة روى الحديث ام سلمة وعمر بن ابي سلمة وزينب بنت ابي سلمة عن ام سلمة قالت دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة وحسناً وحسيناً (عليهم السلام) وعلي خلف ظهره، فجللهم بكساء ثم قال: «اللهم هؤلاء اهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».
فقالت ام سلمة: وانا معهم يا نبي الله.
قال: انت على مكانك وانت على خير، وفي رواية عند ابي حاتم فقلت: يا رسول الله وانا من اهل بيتك؟
فقال: تنحي فأنك على خير، وفي رواية احمد فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال انك على خير.
وبعد بيت ام سلمة تكرر المشهد في اماكن اخرى، روى احمد عن شداد ابن ابي عمار انه قال: اتيت فاطمة أسألها عن علي قالت توجه الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجلست انتظره حتى جاء رسول الله ومعه حسن وحسين فأخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل علي فأتى علياً وفاطمة فأجلسهما بين بيده واجلس حسناً وحسيناً كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم ثوبه ثم تلى هذه الاية «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»، وقال «اللهم هؤلاء اهل بيتي واهل بيتي احق» وروى الحاكم عن اسماعيل بن عبد الله قال لما نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى الرحمة هابطة قال: ادعو لي ادعو لي.
فقالت صفية: من يا رسول الله؟
قال: اهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين.
فجيء بهم فألقى النبي (صلى الله عليه وآله) كساءاً ثم رفع يده وقال: «اللهم هؤلاء آل محمد فصلي على محمد وآل محمد».
وعن انس بن مالك ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يمر على بيت فاطمة (سلام الله عليها) ستة اشهر اذا خرج الى صلاة الفجر فيقول: «الصلاة يا اهل البيت انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً».
قال صاحب الفتح الرباني قال جماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة ان اهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين وقال في تحفة الاحواذي قال ابو سعيد الخدري ومجاهد وقتادة والكلبي ان اهل البيت المذكورين في الاية هم علي وفاطمة والحسن والحسين والخطاب في الاية لما يصلح للذكور لا للاناث وهو قوله عنهم ويطهركم ولو كان الخطاب للنساء لقال عنكن ويطهركن، وقال ابن الاثير في اسد الغابة ان هذا الحديث رواه الاوزاعي ولم يروي في الفضائل حديثاً غير هذا وكذلك الزهري لم يروي فيها الا حديثاً واحداً فأنهما كانا يخفان بني امية. اجل اذا كان الحديث قد تكرر اكثر من مرة في اكثر من مكان في زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكي يتذكر من اراد ان يتذكر واذا كان قد روي في عالم الخوف ايام بني امية فأنه روي في اشد الاوقات حيث كانت الدماء تنزف في كل مكان.
روى ابن كثير وابن الاثير ان الامام الحسن بن علي (عليهما السلام) عندما طالبه القوم بأبرام الصلح مع معاوية خطب في الناس وقال: ايها الناس انما نحن امراءكم وضيفانكم ونحن اهل بيت نبيكم الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وكرر ذلك حتى ما بقي في المجلس الا من بكى حتى سمع نشيده واذا كان الامام الحسن (عليه السلام) قد ذكرهم يوماً فأن الامام علي بن الحسين (عليه السلام) قد ذكر اهل زمانه ايضاً، روى ابن كثير عن ابي الديلم ان علي بن الحسين قال لرجل من اهل الشام اما قرأت في الاحزاب: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا».
قال: نعم ولانتم هم.
قال: نعم.
ان اهل البيت (عليهم السلام) هم علي وفاطمه والحسن والحسين وهم الذين نزلت الطهارة الالهة في قلوبهم ولم ينزلها الا الله تبارك وتعالى فأنه عزوجل ذكرها منسوبة الى نفسه «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ» والطهارة اذهاب الرجس بكل انواعه وكل درجاته من القلب وطهارة القلب طهارة نفس الانسان في اعتقادها وارادتها واعمالها واقوالها وتعني فيما تعني ثبات القلب فيما اعتقده من المعارف الحقة من غير ميلان الى الشك، وتعني ثباته على لوازم معالمه من الحق من غير تمايل الى اتباع الهوى ونقض ميثاق العلم وهذا هو الرسوخ في العلم فأن الله تعالى ما وصف الراسخين في العلم الا بأنهم مهديون ثابتون على ما علموا غير زائغة قلوبهم الى ابتغاء الفتنة، وعلى امتداد حركه الرسالة النبوية كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرسخ في اذهان الناس من هم اهل البيت، على اعتبار انهم الجيل الذي سيفتح الابواب من بعده ووفقاً لحركة هذا الجيل فتسير الحركة على امتداد التاريخ، وكانت احداث يوم المباهلة من الاحداث المشهودة التي غرست مفهوم منهم اهل البيت سلام الله عليهم.
*******