وإنّ لكلّ امرأةٍ ممّن ناصَرنَ آلَ الرسول ووقفنَ معهم دوراً يختلف عن الأخرى، لكنْ يجمعهنّ الإيمانُ بأرقى مفاهيمه الإنسانيّة التي جاء بها الإسلام، ولخّصها في شخص الإمام الحسين(عليه السلام) وأهدافه.
ومن الأسماء النسائيّة التي أشرقتْ في سماء النهضة الحسينيّة الخالدة اسم: ماريّة بنت منقذ العبدي، هذه المرأة كانت أرملةً استُشهِد زوجُها في معركة الجمل نصرةً لأمير المؤمنين(عليه السلام)، ومع هذا كانت مواليةً للحقّ دون أيّ مللٍ أو كلل.
ولمّا عرفت بوصول رسائل الإمام الحسين (عليه السلام) إلى أشراف البصرة، خرقت ببكائها الغاضب محفلَ الأشراف لتقولَ كلمتَها المدوّية، بعدما سألوها عن سبب غضبها وبكائها: (ويلكم.. ما أغضبني أحدٌ ولكن أنا امرأةٌ ما أصنع؟ سمعتُ أن الحسينَ ابن بنت نبيّكم استنصَرَكم وأنتم لا تنصرونه؟!)، فأخذوا يعتذرون بعدم امتلاكهم السلاح والراحلة، ماريّة كانت تتوقّع هذا التبريرَ الواهي كما كانت مستعدّةً لإزالته في نفس الوقت، فقد كانت امرأةً غنيّةً فجمعت كلّ ما تملك من أموال وهيّأته لهذه اللحظة.
عندها أخذت كيساً مليئاً بالدنانير الذهبيّة والدراهم الفضّية وأفرغته أمامهم، وقالت: (فليأخُذْ كلٌّ منكم ما يحتاجه وينطلق في نصرة سيّدي ومولاي الحسين عليه السلام).
وقد ذكرت التواريخ قِصّة خروج يزيد بن نبيط بما نصّه: ( إنّها -أي ماريّة- لمّا قالت كلمتها، قال يزيد بن نبيط وهو من عبد القيس لأولاده وهم عشرة: أيُّكم يخرج معي؟ فانتدَبَ منهم اثنان عبدُ الله وعبيدُ الله، وقال له أصحابُه: نخاف عليك أصحابَ ابن زياد، فقال: والله لو استوت إخفاقها بالجدد لهان عليّ طلبُ مَنْ طلَبَني، وصحبه مولاه عامر وسيف بن مالك والأدهم بن أمية، فوافوا الحسين بمكّة وضمّوا رحالهم إلى رحله حتّى وردوا كربلاء وقُتِلوا معه).
ولم يقتصر تأثيرُ موقف السيّدة ماريّة على يزيد بن نبيط وولدَيْه بخروجهم مع الحسين، بل هناك شخصيّاتٌ أُخَر أزالَ موقفُ ماريّة وكلماتها الغشاوةَ عن أعينها، فرأت فيها الهداية والسعادة الأبديّة التي لها فالتحقت بالحسين، وكان لها شرف الشهادة بين يدَيْه ومنهم الشهيد عبد الله الفقعسي وأربعة من أولاده.
كما تذكر التواريخ أنّ هناك شهيداً آخر خرَجَ مع الحسين لمّا رأى خروج الشيخ عبد الله الفقعسي وأولاده لنصرة الحسين، وهذا الشهيد سعيد بن عبد الله الحنفي الذي كان جديد عهدٍ بالزواج فترَكَ زوجتَه ليلتحق بالحسين، وهو الذي وقف بين يدَيْ الحسين يوم العاشر عندما صلّى (عليه السلام) بمَنْ بقِيَ من أصحابه فكان يتلقّى السهامَ بصدره.
أدت مارية دورها العظيم في حث قومها على نصرة إمامهم ووفقها الله بأن اهتدى بموقفها أولئك الشهداء الذين خرجوا لينضموا إلى معسكر الحق بفضل حثها إياهم وتعبئتها لهم بما يحتاجونه من نفقة السفر وبقيت تنتظر ما ستؤول إليه الأمور وتترقب أخبار إمامها الحسين حتى وصلها خبر مقتله فلم يفارقها الحزن والبكاء حتى فاضت روحها الطاهرة إلى بارئها راضية مرضية.
المصدر: العتبة العباسية المقدسة