يرتقي الانسان في صلته بالله تعالى الى مرحلة الالتزام بالواجب وترك المحرم بيد ان من اراد الله بصدق وشوق لا يقنع بأن يظل في هذه المرحلة ولا يتجاوزها، لانها مرحلة اولية من مراحل الطريق الصاعد الى الحق جل وعلا.
في المرحلة الاولى ينبغي للسائر في طريق الله ان يهرع الى التوبة والاستغفار كلما فرط في واجب او عمل محرماً لان لكل مقام استغفاراً يناسبه وتوبة خاصة به، ومتى ما ارتقى العبد في صلته بالله صاعداً الى افق ارفع فأنه يلتزم تماماً بتكاليفه الجديدة وينأى ايضاً عن ما يليق الى الممنوعات والمحظورات، وهو يرى ان التخلف عن هذه التكاليف ذنب لابد من مفارقته والندم عليه، ويرى كذلك ان اقتراف شيء من الممنوعات الصغيرة اثم يحتاج الى استغفار.
ان ما يقوم به المرء في هذه المرحلة المترقية من السلوك انما يقوم به بدافع العبودية لله ومن هنا كان ترك عمل من اعمال هذا المقام جرماً وتقصيراً ومأثماً وهذا يقتضي من العبد ان يكون دقيقاً في محاسبة النفس وفي المراقبة.
اخوة الايمان، مما ينبغي ان يتنزه عنه المرء في هذه المرحلة العالية من مراحل التقرب الى الله عزوجل هو الانغماس في اللذات المادية والانغمار في المشتهيات الحسية ومن البين ان الاقبال الشديد على الرغبات النفسية يعني الاستجابة لهوى النفس، ومن البين ايضاً ان الاتباع يعني العبادة.
قال تعالى «وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ» وقال «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ» اتراه يصدق حيئذ من يدع العبودية لله ويرى انه ماضي في الطريق الى الله ثم يعكف على الملذات ويدنس بها ويستريح اليها؟ كان هذا يا اخي مثالاً فيما ينبغي الاستغفار منه في هذه المرحلة من الطريق وهناك قضايا اخرى يحاسب المرء نفسه عليها ويندم على ما فرط فيها، من مثل قلة الاقبال على الله اثناء العبادة وايتان الصلاة والقلب يسيح في اودية اخرى غير وادي الحضور بين يدي الله.
ان مثل هذ الزلات والهانات انما نعالج بالاقلاع عنها والعزم على التخلي عنها وان يلجأ المرء الى الاستغفار يقول الامام الصادق (عليه السلام) «لكل داء دواء ودواء الذنوب الاستغفار».
ان الاخلال في محضر الحق جل وعلا في هذه المرتبة من المراقبة يعد ذنباً من الذنوب ومراعاة محضر الله جل جلاله له آداب خاصة منها ما يرتبط بظاهر الانسان ومنها ما يتصل بداخله وباطنه لان له تعالى احاطة بظواهرنا وببواطننا وبجميع حركاتنا ونياتنا وهذا يعني ان نتيقظ على الدوام في محضره القدسي وهو علينا رقيب حسيب.
فلا يصح ان تأتي في حضوره ما لا يريده لنا ولا يرتضيه حتى خطرات الضمائر ولفتات القلوب، فأن في سخطه بعداً وطرداً عن مناهل رحمته وينابيع رأفته والبعد عن الله لا اشق منه يا اخي ولا اشقى.
ان الالتزام بأدب الحضور من ضروريات مقام العبودية وامر لامفر للعبد من مراعاته والمحافظة عليه فأنه عزوجل «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ»، «إِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ» ولا ريب ان تجاهل ادب الحضور في محضر الله ان هو الا ثمرة مرة من ثمار الاقبال القلبي على المعاني الدنيوي الهابطة والوقوع في سجن الحجب الظلمانية الموحشة وهذه الحالة من شأنها ان تعطل التفكير السليم وتطفيء النور البصير وتزيد المرء جهلاً وغفلة وبعداً عن جمال الحق وجلاله في الوجود.
عزيزي المستمع الكريم، من تستبد به غفلته ويتمادى في جهله وبعده يدخل في نطاق اهل الغشاوات الميؤس من شفاءهم،«خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ» والمؤمن الذي يهمه امر مصيره لا يسرع الى الانفلات من حالة الغفلة ويبادر الى التوبة منها والاستغفار من اجل ان يظل على خط ادب الحضور في محضر الحق فأن التغاضي عن ادب الحضور في العبادة والصلاة هو من المخالفات والخطايا في نظر اهل المعرفة ذلك ان وقوف الانسان ببدنه للصلاة وغياب التوجه القلبي والاقبال مما يجعل الفاظ الصلاة قشوراً لا لب فيها ومادة خالية من الروح قال تعالى يحذر من هذه الحالة ومن نظائرها «فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ».
وفي الحديث عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) انه قال «اما يخاف من يحول وجهه في الصلاة ان يحول الله وجهه وجه حمار»وقال بعض المحققين في معنى هذا الحديث المراد انه اما يخاف من يلتفت عن الله وعظمته في حال الصلاة ان يديم الله غفلته فيكون وجه قلبه كوجه قلب الحمار؟ وفي قيمة التوجه القلبي في الصلاة يقول الامام الباقر (عليه السلام) «ان العبد ليرفع له من صلاته نصفها او ثلثها او ربعها او خمسها فما يرفع له الا ما اقبل عليه منها بقلبه».
اخا الايمان، ان السالك في طريق التوحيد انما طالب لله بصدق وهذا المقام له احكام خاصة ومن هذه الاحكام دوام الذكر ومنها ايضاً اجتناب الغفلة وترك الذكر والدخول في الغفلة يعد في هذا المقام من الخطايا والمعاصي، قال تعالى «وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ» واذا لم تكن عبارة ولا تكن من الغاملين نهياً صريحاً عن الغفلة فما معنى هذا النهي اذن وما المراد منه؟ لا ريب يا اخي ان ترك الذكر والغفلة ونسيان الحق في سلوك طريق التوحيد هو لسالكي هذا الطريق في عداد الخطايا والمزلات التي تورث سلب التوفيق وتورث آثاراً سيئة اخرى في غاية السوء.
*******