في طريقة الى الكوفة بعث الامام الحسين (عليه السلام) قيس بن مزهر برسالة الى اهل الكوفة، زيادة منه (سلام الله عليه) في اتمام الحجة عليهم، وهو حجة الله البينة، كتب الامام في رسالته هذه مع قيس:
«بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي الى اخوانه من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم فأني احمد اليكم الله الذي لا اله الا هو، اما بعد فأن كتاب مسلم قد جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملأكم على نصري والطلب بحقنا، فأذا قدم عليكم رسولي فأكمشوا امركم وجدوا فأني قادم عليكم في ايامي هذه ان شاء الله».
واقبل قيس بن مزهر الى الكوفة بكتاب الحسين (عليه السلام) حتى اذا وصل الى القادسية اضب عليه الحصين بن نمير فبعث به الى ابن زياد الذي كان قد شدد الرقابة على جميع المنافذ والابواب، وعندما علم ابن زياد بسبب قدوم قيس بن مزهر امر قيساً ان يصعد القصر حتى يراه الناس وامره بسبب الامام ابي عبد الله وسب امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) وفعل صعد قيس فقال: ايها الناس ان هذا الحسين بن علي خير خلق الله ابن فاطمة بنت رسول الله وانا رسولكم اليه وقد فارقته بمنطقة الحاجر فأجيبوه، ثم لعن قيس عبيد الله بن زياد واباه وعندئذ امر ابن زياد ان يرمى به من فوق القصر، فرمي به فتقطع فمات رضوان الله عليه.
لقد كان بيان قيس بن مزهر فيه كفاية ليهب الناس هبة رجل واحد ولكن القوى الطاغية كانت قد نشرت الذل في الطرقات بما فيه كفاية، وليكي يطوقهم الامام الحسين بحجة اخرى بعث اليهم عبد الله بن يقطر وما حدث لقيس حدث لابن يقطر فقد تلقته خيل الحصين بن نمير في الفارسية وبعث به الى ابن زياد فأمره ان يصعد القصر وان يلعن الامام (عليه السلام) واباه، فصعدو لما اشرف على الناس قال: ايها الناس اني رسول الحسين بن فاطمة بنت رسول الله لتنصروه وتؤازروه على ابن مرجانة الدعي فأمر به ابن زياد ان يلقى من فوق القصر فرحي وبقي به رمق فذبح (رضوان الله عليه). اجل ان الطريق الى الفطرة والى نداءها كان ابن زياد قد اغلقه بالارهاب والتخويف وفي اثناء ذلك كان الامام ابو عبد الله لا يمر بأهل حي او منطقة الا اتبعوه، وحين كان في منطقة زبالة ووصل اليه خبر قتل رسله في الكوفة فأخرج الامام للناس وقرأ عليهم وفيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، اما بعد فأنه قد اتانا خبر فضيع، قتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة وعبد الله بن يقطر وقد خذلتنا شيعتنا فمن احب منكم الانصراف فليس عليه متاذمام. يقول الطبري وابن كثير فتفرق الناس عنه تفرقين فأخذوا يميناً وشمالاً حتى بقي في اصحابه الذين جاءوا معه من المدينة».
الى هنا انتهت قصة الذين خذولوا حجة الله وامام زمانه (عليه السلام)، انتهت القصة في اصولها العريضة والخطوة الاخرى التي سيخطوها السبط ليست من اجل الذين خذلوه وعذروا به، انما ستكون نحو القوة الباغية التي تعوق تقدم الامر الفطري باحجار كسروية وقيصيرية وجاهلية.
وانطلق الامام الحسين (عليه السلام) حتى مر ببطن العقبة فنزل بها وبينما هو جالس جاءه احد ملته فسأله اين تريد فحدثه فقال للامام الحسين، اني انشدك الله لمن صرفت فوالله لا تقدم الا على الاسنة وحد السيوف فأن هؤلاء الذين بعثوا اليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطئوا لك الاشياء فقدمت عليهم، كان ذلك رأياً فأما على هذه الحال التي تذكرها فأني لا ارى لك ان لا تفعل فقال الامام (عليه السلام) يا عبد الله انه ليس يخفى علي الرأي ولكن الله لا يغلب على امره.
وفي الكوفة بدأت القيادة العسكرية الاموية تعد العدة للقضاء على حركة الطهر الانقاذية الحسينية وكانت الخطوة الاولى نحو هذا الهدف امر القيادة الصادر الى الحر بن يزيد الرياحي ان يلازم الحسين وان يسير معه كالظل وجاء في هذا الامر، اما بعد فجعجع بالحسين فلا تنزله الا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء، وفي صبيحة يوم عاشوراء خرج ابو عبد الله الحسين (صلوات الله عليه) فيمن معه من الناس وكان معه اثنان وثلاثون فارساً واربعون راجلاً فعبئهم وصلى بهم الصبح وجعل البيوت في ظهورهم وامر بحطب وقصب كان من وراء البيوت يحرق بالنار خاصة ان يأتوهم من وراءهم، كل ذلك من باب الاخذ بالاسباب.
وروى الطبري ان الامام رفع يده ودعا الله تعالى فلما دنى منه القوم دعا براحلته فركبها ثم نادى بأعلى صوته يعظهم ويقيم الحجة عليهم ثم خرج اليهم زهير بن القين ووعظهم وانذرهم من عذاب الله وكان فيما قال: عباد الله ان ولد فاطمة رضوان الله عليها احق بالود والنصر من ابن امية فأن لن تنصروهم فأعيذكم بالله ان تقتلوهم فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم وقال: اسكت اسكت الله نأمتك اضرمتنا بكثرة كلامك وهكذا قامت الحجة عليهم من كل اتجاه ليقفوا عراة امام التاريخ ويقفوا في الدائرة الاضيق عندما يعرضون على الله قاصم الجبارين. وحينما كان ابناء ثقافة السب يستعدون لاجتياح معسكر الحسين بن رسول الله كان هناك رجل بين الرجال يراقب الاحداث ويسمع من هذا ومن ذاك انه الحر بن يزيد الرياحي الذي كانت مهمته تنحصر في مراقبة الحسين علي طول الطريق الى الكوفة، ركب الحر فرسة واقبل نحو معسكر حسين وقال للامام (عليه السلام) اني جئتك تائباً مما كان مني الى ربي ومواسياً لك نفسي حتى اموت بين يديك.
بعد ان وقف الحر في معسكر الحسين (عليه السلام) خاطب القوات الاموية فقال: ويحكم منعتم الحسين ونساءه وبناته ماء الفرات الذي يشرب منه اليهود والنصارى ويتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه فهو كالاسير في ايديكم.
وبدأ الحسين بن علي (عليه السلام) يستعد لخوض المعركة غير المتكافئة في العدة والعدد، اثنان وسبعون في مقابل ثلاثين الفاً على اقل تقدير، وبدأت المعركة، معركة قتلت فيها القوات الاموية حتى الاطفال واستعملت اساليب في القتل يندى لها الجيبن خجلاً، ليس لانها لا تستقيم مع تعاليم الاسلام فحسب بل لانها لا تستقيم مع المروءة حتى في صورها الجاهلية.
*******